تعد القصة القصيرة كغيرها من الفنون السردية والإبداعية مرآة يعكس فيها الكاتب بيئته وظروفه المحيطة، وقضيته سواء كانت عامة أم خاصة، وهي بذلك لسان حاله، وتعبير إبداعي عن أشواقه وأحلامه وخيباته ورؤاه المختلفة.
ومنذ ظهور فن القصة في الإمارات، سعى رواد هذا الجنس الأدبي لأن يكون إنتاجهم مرآة تعكس الواقع وتجلياته في كافة الصعد الفكرية والاجتماعية والذاتية، فهل كانت الإمارات بقضاياها ومظاهر حياتها وتراثها الاجتماعي حاضرة فيما أنتجه أبناؤها حتى الآن من قصة قصيرة؟ وهل تجاوبت القصة القصيرة مع التغيرات الكبيرة الحاصلة في المجتمع؟
يؤكد القاص إبراهيم مبارك، أن القصة القصيرة في الإمارات التصقت بالواقع وما يجري فيه، فقد عبر الكتاب من خلالها عن مظاهر التغير الاجتماعي ورسموا صورة المجتمع القديم قبل أن يندثر تحت إيقاع حركة التمدن الكاسحة، ورصدوا حالة المجتمع الراهن وما يجري عليه من أحوال وتبدلات وما يعتريه من تقلبات كثيراً ما وقف الكاتب أمامها عاجزاً عن استيعابها أو هضمها أو ناقداً ومحللاً لما تنطوي عليه، وفي البدايات كانت البيئة المحلية وهمومها ومشكلاتها وتغيراتها حاضرة بشكل مباشر في المتن القصصي، التحولات المجتمعية ونظرة الإنسان الإماراتي لها وأثرها المتباين في الأفراد، التركيبة السكانية وأوجاعها والخلل الناجم عنها وما حملته من مشاعر الاغتراب لدى البعض، العمالة الوافدة ومشكلاتها، الظواهر الاجتماعية السلبية مثل الزواج من أجنبيات والمربيات الأجنبيات والخدم واللغة الهجين والطلاق والهجر والعنوسة والأزمات الأخلاقية التي تعصف بالأفراد في مراحل الحياة المختلفة.
ويشير مبارك إلى أن معظم الكتاب والتجارب الشابة اليوم تبتعد عن القضايا المجتمعية بشكل أو بأخر، وتتجه نحو التعبير الذاتي ومحاكاة الهموم الخاصة أكثر من العامة، وهذا الأمر بطبيعة الحال ليس عيباً وإنما هو بعد جديد أخذته القصة القصيرة مع مطلع الألفية الجديدة، في ظل التغيرات ذات الإيقاع السريع على مختلف الصعد في بنية علاقة الإنسان بذاته وبالآخر، وأيضاً بالمجتمع، وفي ظل شتى التحولات وخروجه من حدود المحلية إلى العولمة، علاوة على سيطرة مفهوم الاستهلاك على حساب القيم الإنسانية، حيث بات هاجس الخلاص الفردي يهيمن على المنظومة العامة.
وبدورها تؤكد القاصة صالحة غابش، أن الرعيل الأول من القاصين الإماراتيين كانوا أمناء على الحكاية، وكأن القصة حكاية من حكايات البحر والغوص المعهودة التي درج عليها الآباء والأجداد، فقد كانت معظم القصص الصادرة في تلك الفترة تهتم بالمضمون لا بالشكل الفني وتجنح إلى الرومانسية، وكانت أغلب موضوعاتها تدور حول هموم اجتماعية، كغلاء المهور، وزواج الصغيرات وإجبارهن على ذلك من الكهول والأثرياء، وعدم احترام إرادة الفتى والفتاة في اختيارات الحياة، كما هي الحال في قصة «الرحيل»: لشيخة الناخي، و«الجزاء»، «ضحية الطمع» لعلي عبيد علي، و«الجحيم»، «هذا هو الحب» لمظفر الحاج مظفر، و«يوم في حياة موظف صغير»، «لمحمد علي المري، و«من أجل ولدي» لعبد العزيز خليل، و«الفرار»، و«ذات العيون القاتلة» لعبدالحميد أحمد.
وأضافت أن فترة التسعينات شهدت تطوراً نوعياً مقارنة بالسبعينات، حيث أخذ الإنتاج القصصي زخماً ملموساً، و صدرت العديد من المجموعات القصصية، وحمل هذا الإنتاج الوفير قصصاً متميزة بتطورها الفني، وذلك استجابة للتغيرات الهائلة التي حدثت في المجتمع الإماراتي الذي اختلف كثيراً عما كان عليه بالأمس، قد بدأت القصة في هذه الفترة تتناول الأوضاع السائدة في المجتمع، والانفتاح السريع على العالم، وما رافقه من تدفق لقيم وعادات وعناصر ثقافية جديدة إلى المجتمع.
أما التجارب القصصية الجديدة فإنها تبحر أكثر في الشخصي والذاتي، أخذة نمطاً حداثياً خطته التجارب العالمية، من خلال الاطلاع على القصة الحداثية في العالم، وتمكنهم من اللغات الأجنبية إلى جانب اتساع حركة الترجمة وتطورها.
وقال القاص محسن سليمان، إن القصة القصيرة في الإمارات كانت بلا شك لسان حال المجتمع، وبقيت محافظة على هويتها الاجتماعية، شاهدة على إنسانها ومكانها وزمانها، وفية لخصوصيتها المحلية مستخدمة كل عناصر مكوناتها من المكان إلى القيم والمفاهيم والعادات والتقاليد، والأعراف والمعتقدات، والمهن والحرف، إلى العلاقات الاجتماعية الاقتصادية بين الأفراد في الماضي والحاضر، مركزة على إبراز القضايا الاجتماعية بالدرجة الأولى، كما هي الحال قصص محمد المر، ومريم جمعة فرج، إبراهيم مبارك، سارة الجروان، سارة النواف، ابتسام المعلا، ناصر الظاهري، أسماء الزرعوني، ونجيبة الرفاعي.
ورغم اهتمامها بالطابع المحلي وهموم الإنسان الإماراتي، إلا أن القصة لم تغفل الإنسان الذي جاء إلى هذه الأرض من بقاع أخرى حاملاً غربته ومشكلاته أيضاً، فصور بعض الكتاب الجوانب الحياتية اليومية لتلك الفئات الوافدة للمجتمع التي تعاني مشاكل ذات صبغة ذاتية بالدرجة الأساسية متعلقة بحالات الاغتراب الاجتماعي الذي يعانونها. كما في قصة (أشياء «كويا» الصغيرة) لعبد الحميد أحمد، و(تحت المروحة) و(هجرة المحنط) لمحمد المر.
وأضاف سليمان أنه ضمن سلسلة التغيرات الكبيرة التي حدثت في الدولة، كان انتشار التعليم من أهم العوامل التي ساهمت في التغير الاجتماعي في الإمارات، ونجد أن الاهتمام بالتعليم لدى القاص واضح من خلال الحوارات الدائرة بين شخوص القصة. إدراكاً منه بأهمية التعليم ودوره الخلاق في بناء الإنسان، وقد تناول عبد الحميد أحمد موضوع التعليم في الخارج وانعكاس ذلك على الطلاب، من حيث معاناتهم الداخلية النفسية نتيجة للانتقال من المجتمع المحلي إلى المجتمعات الغربية.
وقالت القاصة عائشة عبدالله أن أهم ما يميز القصة القصيرة في الإمارات هو رصدها ومتابعتها وكشفها لظواهر وقضايا حية تتحرك في جسد المجتمع، عبر خيوط دقيقة ومتشابكة، فهي عالم واسع للحقيقة والمجتمع والنفس الإنسانية، فقد رصدت أقلام الكتاب تغيرات المجتمع من عصر البحر والغوص إلى عصر النفط، معالجين قضايا المجتمع الجديد، ومواكبين التبدلات والتحولات التي اعترته وأثرت فيه.
وقد كانت للقاصة الإماراتية مشاركات متميزة في هذا المضمار، إذ تحدثت بنبرة واقعية عن مجتمعها، والتغيرات الحضارية التي ظهرت على الساحة، وما صاحبها من قلق روحي ونفسي، محاولة أن ترسم حدود العلاقة بين المرأة والرجل، سواء أكان زوجاً أم أباً.
متناولة إشكالات المرأة الناتجة عن القهر والتهميش، وصراعها مع القيد الاجتماعي القديم المتمثل في بعض العادات والتقاليد والممارسات التي تظلم المرأة أو تصادر حقها في الاختيار، والحنين إلى الماضي أمام واقع التغيرات والتحولات السريعة التي واجهها المجتمع الذي كان يعيش في شبه عزلة، وظاهرة المربيات الأجنبيات، وتأثيرهن التربوي الثقافي في الأطفال.
جريدة الخليج