علي العبدان

النَــذْر – علي العبـدان

– ها قد شَفى اللهُ ولدَكِ، فأخْرِجي كفّارةً عن نذرِكِ، ولا تفضحينا.. لا تفضحي أباكِ.

– يا أمي، لقد شُفيَ حَمَدُ بعدَ طول عذاب؛ عذابي أنا وعذابِه، وحتى الآن لا أكادُ أُصدّقُ أنه تعافى، فكيفَ أعودُ عن نذري بالتكفير عنه؟ كلّا.

– يا ابنتي أنتِ امرأة، و..

– أنا امرأةٌ قد نذَرَت إن شفى اللهُ ولدَها لَتَذهَبَنَّ إلى الغوص، إنها كلمةٌ قد خرجت من فمي قطعاً، وأنا ذاهبةٌ إلى الغوص لا مَحالة.

– ولكن..

– لقد أجبرتُم زوجي على الذهابِ إلى الغوص، فذهبَ إلى رَبِّه، لأنهُ لم يكن يحتملُ مثلَ هذا العمل، ولكنكم لا تلومون أنفسَكم.

– موتُهُ كان قَدَراً.

– ونَذري قَدَرٌ أيضاً.

– وحَمَدُ يا ابنتي؟ هل ستتركينهُ هكذا، وقد شُفيَ للتوّ؟

– أنا لن أغيبَ طويلاً. لقد سألتُ إِمامَ المسجدِ القريبِ منّا عن كيفية الوفاء بهذا النذر، فقال لي بعد طُولِ جِدالٍ إنني إذا غِصتُ لمرةٍ واحدةٍ فقط كما يغوصُ الغوّاصُ في العادة، فإنني أكونُ قد وَفيتُ بالنذر، ويُمكنني حينئذٍ أن أتركَ سفينةَ الغوص، وأعودَ في أيّ قاربٍ إلى البَرّ.

– وكيف ستعودين إلى المدينةِ دون مَحرَم؟ إن قواربَ المُؤَن تأخذ اليوميْن والثلاثة حتى تعودَ من المغاصات، أم تُريدينَ أباكِ أن يتركَ سفينتَهُ وبحّارتَه في عرض البحر كي يعودَ بكِ إلى البَرّ؛ فتُقطعَ بذلك الأرزاقُ؟ وماذا سيقولُ الناسُ عنا؟ عن أبيكِ؟ عنكِ أنتِ؟

– نظرت سَلمى في عَيْني أُمِّها، وبعد هُنَيْهَةِ صمتٍ قالت:

– سآخُذُ حَمَدَ معي، لقد بلغَ مبلغَ الرجال.

– واللهِ إنكِ فقدتِ عقلكِ!

– لعلكِ صادقة.

– سَلمى!

– ماذا يا أمي؟ زوجتموني وأنا طفلة، وأجبرتُم زوجي على العمل في الغوص وهو لا يستطيعُ ذلك بسبب المرض، ولكن قلتُم: “ماذا سيقولُ الناسُ عنا؟ أزَوَّجننا ابنتَنا لعاجز؟”، فذهبَ إلى الغوص، وماتَ غرقاً، وها أنا ذا أرملةٌ ولمّا أبلغ الثلاثينَ بعد، ولأشهُرٍ عدة لم أكن أشعرُ بالدنيا حولي بسبب مَرَض حَمَد، والآن، وسأقولُها لكِ لمرّةٍ فقط: سأفعلُ ما أُريد.

صمتت الأمُّ، والتفتت سَلمى نحو النافذة كي ترى حالة الجَوّ قبلَ أن تذهبَ إلى البحر، وإذ هي تنظرُ إلى الخارج، جاءها صوتُ أمِّها من الخلف مُعلِناً:

– إن أباكِ لن يسمحَ لكِ بذلك.

بالقرب من الشاطئ كان جميع “النواخذه” قادةِ السفن في انتظار إشارة “السردال” قائد الأسطول للإبحار نحوَ المغاصات التي يُحدِّدُها، وكان من بينهم النوخَذا أبو سَلمى ينتظرُ إشارة السردال عاجزاً عن الصبر. كان واثقاً من أن زوجَته ستُقنعُ ابنتَهما بالعُدولِ عن الإيفاءِ بنذرِها، ولكنهُ ظلَّ مع ذلك في قلقٍ كبير، فقد كان لديهِ شعورٌ بأن شخصيّة ابنتِهِ قد تغيّرت مؤخراً إلى أمرٍ لا يُمكنُ لهُ تفسيرُه، وكان يقفُ قائماً في مؤخرة السفينة، ينظرُ بعيداً في البحر، مُتحاشياً نظراتِ رجالِه، الذين تجمّعوا على سطح السفينةِ يعملون في صمتٍ غير مُعتاد، وقد علِموا بقصةِ النذر. أما هو فقد أخذ يتذكرُ كيف ضحِكَ بتهكُّمٍ حين سمعَ نذرَ سلمى أولَ مرة، وقد ظنّ حينَها أنها لن تَفيَ أبداً بمثل هذا النذر الذي لا يُمكنُ قبولُهُ من الناس، خاصةً رجالَ الغوص، وقال في نفسِه:

– كيف ستكونُ النفوسُ حين تُرافقُ أرملةٌ شابّةٌ مجموعةً من الرجال العاملين في سفينةٍ وسطَ البحر؟ وكيفَ سيكونُ شعورُها هي حالَ بقائها بين هؤلاء الرجال؟ وأنا معهم في السفينة أيضاً! لا لا، أنا لن أسمحَ لها بمثل هذا، ليتني أتمكنُ من الإبحار فوراً.

لكنه لم يتمكن من ذلك، فالسردالُ قائدُ الأسطول لم يرفع إشارةَ الدخول بعد، وفيما هو يُفكرُ مُهتمّاً جاءَهُ نائبُه، المُقَدَّميُّ خَلَف، وقال:

– لعلك تفكرُ في أمر ابنتِك؟

– نعم والله.

– ها هيَ قد وصلت إلى السفينة.

وقعَ هذا الخَبرُ كالصاعقةِ على رأس والدِ سلمى، الذي التفتَ غاضباً نحوَ طرَفِ السفينة، لِيرى سَلمى تصعدُ إليها مع ابنِها حمد من قاربٍ صغير، فَتوجَّهَ إليها، وعَيْناه تتلظى فيهما نيرانُ الغضب، وصاحَ في وجهِها قائلاً:

– كيف تجاسَرتِ؟

– لن يُوقِفَني شيءٌ دونَ الوفاءِ بنَذري.

فَهمَّ بضربِها، لولا أنْ أمسكَ بهِ خَلَف، قائلاً لهُ بحَزم:

– لا ترتكب خطأً تندمُ عليه، أرجوك، لا تَنهرها أمامَ البحّارة.

أخذَ والدُ سَلمى نفساً عميقاً، وصَدَّ عن ابنتِه بانفعال، وشَتَمَ صاحبَ القاربِ الصغير الذي أحضرَها، وتوجّهَ خَلَفٌ نحوَ سَلمى، وقال لها:

– لماذا يا ابنتي؟

– إنكم لن تفهموا ما الذي جرى لي، كان بإمكاني أن أعودَ عن الوفاء بهذا النذر، لكنني عرفتُ قيمتَهُ الآنَ، ومِن قبلُ أيضاً.

– وما قِيمتُه؟

لم تُجِبْ سَلمى، وضَمّت حَمَدَ إلى جَنبِها وهي تنظرُ إلى سطح السفينة، والتفت خَلَفٌ إلى البحارة الذين وقفَ بعضُهم يُراقبُ ما يحدث، فقال لهم بحزم:

– أكملوا استعدادَكم، هيا!

ثم أخذ سَلمى وابنَها إلى مؤخّر السفينة، حيث جهّزَ لهما مكاناً يسترُهما عن البحّارة، وفي هذه الأثناء عَلَتْ بعضُ الأصوات مُعلِنةً ارتفاعَ إشارة السردال ببَدءِ الإبحار نحوَ المغاصات، فعمِلَ البحّارةُ على تسيير السفينةِ بهِمّةٍ مَدفوعةٍ بالرغبةِ في جَنيِ اللآلئ، وهم يُنشِدون:

يا الله ويا الله بالتيسيرْ

وان شا الله بامْر الله يصيرْ

اصعَد يا عُود الفَرْمَنْ

اصعَد واتذكّر الدارْ

خلالَ اليوميْن التالييْن لم يكن أحدٌ يتحدثُ مع سَلمى وابنِها سوى خَلَف، وكان يأتي لهما بالطعام وبعض الماء، ويحكي لسَلمى أحياناً بعضَ حكاياتِ الغوص، ولكنه توقفَ حين رأى بعضَ الخوفِ في عيْنيْها، ورأى بَدلاً من ذلك أن يُعينَها على الوفاءِ بنذرِها؛ بأنْ يشرحَ لها كيف تؤدّي الغوصَ لمرّةٍ واحدة، لكنهُ فُوجِئَ بها تقولُ بعد شيءٍ من الاستماع:

– لم أكن أدري أن الغوصَ شاقٌّ إلى هذه الدرجة! ولِمَ يحتاجُ الغوّاصُ إلى حبل؟

– أتظنّين يا ابنتي أننا نغوصُ بالقرب من البَرّ؟ إن ما نطلبُهُ موجودٌ في أعماق البحر، ثم كيف يمكنُ للغوّاص أن يعودَ إلى السفينة قبلَ انقطاعِ نفَسِهِ دون جذبهِ بحبل؟

وأطرَقَتْ سَلمى تُفكر، فقال لها خَلَف بإشفاق:

– عُودي عن نذرِكِ يا ابنتي، وأخرجي كفّارةً عنه، وارحمي نفسَكِ وابنَكِ وأباكِ من هذا العذاب.

كانت المُدةُ التي سبقت الوصولَ إلى المغاصات عصيبةً على والدِ سلمى. لقد ظلّ غاضباً، لكنهُ لم يشأ أن يُظهِرَ المزيدَ من الانفعال أمامَ البحارةِ الذين كانوا ينامون بعدَ صلاةِ العِشاءِ مباشرةً، لكنْ ليس قبلَ أن يتهامسوا فيما بينهم، ذلك التهامُسُ الذي رآهُ والدُ سلمى خبيثاً، لأنهُ ظنّ أن فَحواهُ تتعلقُ بابنتِهِ التي تنامُ مع ولدِها بالقربِ منه، وكان نواخذةُ الغوص لا يسمحون للبحارةِ بتبادل الحديثِ ليلاً أبداً، لأن وراءَهم أياماً طويلةً من العمل الشاقّ، لكن لم يكن بوِسع والدِ سلمى أن يمنعهم الآن، خشيةَ أن يكونَ لذلك نتيجةٌ أكثرُ سُوءاً، وقرّرَ تركَ الأمور تجري حتى حِين.

في صباح اليوم الأول من بَدءِ أعمال الغوص، تأهّبت سلمى لغَوصِها الأول، وفاءً بنذرِها، وكان الجميعُ يعلمُ أن الذي سيقفُ مُشرِفاً عليها، ومتحكّماً في الحبل الذي بيدِها هو والدُها النوخَذا، فابنُها ضعيفُ البنية، وغيرُ ذي خبرة، كما لا يُمكنُ لأيّ بحّارٍ آخَر أن يقومَ بذلك، إذ ليس على سطح السفينة من أقاربها سِوى أبيها. لبست سلمى ثوبَيْن، وأحكمت لفَّ خِمارِها على رأسها، وكان خَلَف قد أخبرَها بما عليها فعلُه، فوضعت فِطاماً على أنفِها، وعلّقت سلّةَ جمعِ المحّار في عنقِها، ووضعت قَدَماً في حلقةِ حبل الحصاة، الذي سيُيسّرُ لها الوصولَ إلى قاع البحر، وتقدّمت لتقفزَ إلى الماء، واقتربَ منها والدُها بِوَجهٍ جامدٍ ليُمسكَ بحبل الجذب الذي يخصُّها، فنظرَت إليه، لكنهُ لم يُلقِ لها بالاً، فقفزت مع بقيةِ الغوّاصين، أما هو فقد وقفَ مُمِسكاً بالحبل، وحانت منهُ التفاتةٌ نحوَ مؤخرةِ السفينة، حيث كان حفيدُهُ حَمَد يستعدُ للاستيقاظ من النوم.

في قاع البحر لم يكن المشهدُ واضحاً بالنسبةِ لسَلمى، في حين كان بقيةُ الغوّاصين يعلمون ما يفعلون، فكانوا يلتقطون المحّارَ بخِفّةٍ وسرعة، ثم يجذبون حبالَهم، فيرفعهم البحارةُ الذين على السفينة، أما سلمى فظلّت في القاع حائرةً، لا تستطيعُ تمييزَ المحّار من الحجارةِ أو غيرِها مما يتناثرُ في قاع البحر، وفجأةً أحسّت بظِلال شخوصٍ فوقَها، فالتفتت إلى أعلى، فرأت الغوّاصين يُجذَبون بالحبال نحوَ السفينة، وفجأةً وقعَ بصرُها على شَبَح إنسانٍ تذرّى أسفلَ السفينة، كأنهُ يتخفّى، وقد انطوى على نفسِه وهو يقومُ بأمرٍ ما، وفي هذه الأثناء ضاقَ نَفَسُ سَلمى، فهَزّت حبلَها، وعلى سطح السفينة انتبَهَ أبوها إلى حركةِ الحبل، فشَرَعَ في جَذبه بسرعة، لكنّ عواطفَ غامضةً كانت تتقلّبُ في قلبِه، فتباطأَ في جذب الحبل، فارتخى الحبلُ في يَدِ سلمى، وقد بدأ رأسُها يثقُل، ونَفَسُها يضيقُ أكثرَ فأكثر، فحاولت العومَ إلى أعلى دون اعتمادٍ على الحبل، ولكنّ الأمرَ لم يكن يسيراً، وشَعَرت برغبةٍ في الصراخ، لكنّها قاوَمت وهي تتذكرُ مُجملَ ما جَرَى لها، وبَذَلَت ما وَسِعَها من جهدٍ لبلوغ سطح البحر، واقتربت من قاعدة السفينة، وهي تُعاني، وتكادُ يُغمى عليها، ولم تستطع أن تُكمِل.

في هذه الأثناء كان المُقَدَّميُّ خَلَف قد انتبَهَ إلى تصرُّفِ أبي سلمى، فغضِبَ، وصاحَ فيه قائلاً:

– ما الذي تفعلُه؟ أتُريدُ قتلَ البنت؟

لم يُجِبْ أبو سلمى، الذي بانَ شيءٌ من الأسى على مُحَيّاه، لكنّ خَلَفاً دفعَهُ جانباً، وأخذ الحبلَ ليجذبَ سلمى، فوَجَدَهُ راخِياً بمسافة، وأخذهُ خوفٌ كبيرٌ عليها، فرَمى نفسَهُ في البحر مُمسكاً الحبلَ بيدِهِ لِيتَتبّعَ موضِعَ سلمى، ولم يبتعد كثيراً، فقد وَجدَها قريبةً من قاعدة السفينة، وهي بالكاد تستطيعُ الحركة، فأخذها إلى أعلى، ونادى مَن في السفينةِ لِيرفعوها، وتجمّع البحّارة، وهم يُهمهمون:

– لا إلهَ إلا الله.. لا إلهَ إلا الله.. لا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله.. يا الله رحمتك تسبق عذابك.. يا الله رحمتك تسبق عذابك..

واختلطت العواطفُ مرةً أخرى في قلب والدِ سلمى، فتقدّمَ بينَ البحارة لِيُنقِذَ ابنتَهُ وهو يكادُ يبكي، وحين رفعوا سلمى إلى سطح السفينة وجدوها ما زالت تتنفّس، وتُحاولُ فتحَ عيْنيْها، لكنهم رأوا في يَدِها مِفلَقَة، فعَجِبوا لذلك، وتبادلوا النظرات، وقال أبوها:

– ما هذا؟ من أين جاءت بهذهِ المِفلَقَة؟

قال خَلَف وهو مضطرِب:

– لا أدري!

وسادت لحظاتُ صَمت، لكنّ الجميعَ دُهِشَ حين تكلّمت سلمى بصعوبةٍ، قائلةً:

– لقد كانت مَغروزةً في.. قاعدةِ السفينة.

تساءلَ والدُها مُستغرباً:

– في قاعدةِ السفينة!

– نعم، وأنا.. أنا نزعتُها، وأخذتُها.. لأُحضِرَها لك.

وشهِقت بعمقٍ قبلَ أن تسعلَ سُعالاً شديداً، ثم هدأت، وناولَت أباها المِفلَقَة، وأمسكت بيَدِ ابنِها حَمَد الذي جاء وجَثا بجانبها، ثم عادت لتقول:

– على سطح السفينةِ مَن يَخونُك.

اتسعَت عَيْنا أبي سلمى دهشةً، إذ لم يتوقع من ابنتِهِ أن تعلمَ بمثل هذا الأمر، ونظرَ إلى خَلَف، الذي قال:

– لقد حكيتُ لها خلالَ اليوميْن الماضييْن الكثيرَ من قصص الغوص، وقوانينه، وكيفَ يُحاولُ بعضُ الغوّاصين أن يتجاوزَ الأعرافَ والقوانين، فيأخذَ لنفسِهِ بعضَ اللآلئ، بأنْ يفلقَ المحارَ وهو ما يزالُ في البحر، بمِفلَقةٍ يُخفيها كي لا يكشِفه أحد، ولم أتوقع أن يحصلَ هذا في رحلتِنا هذه.

اتسَعت الدهشةُ في وجهِ أبي سلمى، وقال خَلَف:

– رَعاها اللهُ من امرأةٍ كشَفَت لنا ما كان يجري.

ثم نَظَرَ كلٌ من أبي سلمى وخَلَف إلى البحارة، الذين طأطأَ بعضٌ منهم رؤوسَهم، وظلّوا صامتينَ جميعاً.

في صباح اليوم التالي استيقظت سلمى على أصوات البحارة، وهم يستعدون للغوص، ورأت أباها والمُقَدَّميَّ خَلَفاً يقفانِ مُتجاورَيْن، يُراقبان البحارة، ويتبادلانِ حديثاً خافِتاً، ثم نظرَت إلى ابنِها حَمَد، الذي كان ما زالَ نائماً، فقبّلتهُ وابتسمت، ومَسَحت وجهها، ووضعت خِمارَها على رأسِها، وتناولت تمرةً، ثم اتجهت إلى حيث كان أبوها وخَلَف واقفَيْن، وتوجّهت بالحديثِ إلى خَلَف:

– لقد وَفيْتُ بنَذري يا عمّي، فمتى يأتي قاربُ التموين؟

– نظَرَ إليها خَلَف، وابتسَمَ ثم قال:

– نحن ما زِلنا في أول المُدّة، ومُؤنُ سفينتِنا لم تَنْقَصْ بعد، وهذا حالُ بقية سفن الغوص، ولهذا، فقاربُ التموين لن يَمُرَّ علينا قبلَ نحوِ أسبوعٍ من الآن.

ونَظَر خَلَف إلى النوخَذا مبتسِماً، ثم ذهبَ ليتفقدَ العملَ الجاريَ على سطح السفينة، وأما النوخذا فقد واجَهَ ابنتَهُ بكاملِ هيئتِه، ونظرَ في عَيْنيْها بِرضا، وقال لها:

– ستبقَيْنَ معي على هذهِ السفينة.

ثم اقتربَ منها أكثر، ووضعَ يَدَهُ برفقٍ على كتِفِها، وقال مبتسِماً:

– ستبقَيْنَ معي على هذهِ السفينة.