10

أصحاب القصة الواحدة في الإمارات – بقلم يوسف أبو لوز

أقرأ لك بشغف هذا الكتاب «القصة اليتيمة في الإمارات.. هذا امتدادي هذا البحر» من جمع وإعداد الكاتبة الإماراتية لولوة المنصوري، والكاتب الإماراتي محسن سليمان (.. منشورات العنوان – الشارقة – 2020)، والكتاب فعلاً يقرأ بإمعان وفضول، فهو مجموعة قصص كتبها شعراء، ورسّامون، ومسرحيون، وسينمائيون من الإمارات.

بالطبع، ليس فضولياً ولا مدهشاً أن يكتب هؤلاء القصة القصيرة، ولكن الجديد في الموضوع هنا أن كل واحد من هؤلاء المبدعين أو الكتّاب الإماراتيين قد كتب قصة واحدة يتيمة في حياته، أو على الأرجح أنه كتب قصتين فقط وبعدها لم يكرر التجربة القصصية أبداً في حياته.

إذاً، بدأ هؤلاء الشعراء والفنانون بالقصة، قصة واحدة يتيمة أو قصتان يتيمتان، ثم أخذ كل واحد منهم طريقاً آخر غير القصة،.. لكن، قبل الإشارة إلى هذه القصص اليتيمة نطرح هنا هذا التساؤل الاستفهامي وليس الاستنكاري.. لماذا يبدأ الكاتب حياته بالقصة، ثم يكتشف أنه لا يصلح أن يكون قاصّاً، فيتوجّه إلى أجناس أدبية أخرى.. سردية، أو شعرية؟ الجواب ربما أن السرد الأوّلي الفطري عند الكاتب المتمثل في القصة القصيرة إنما يساعد على البوح، كما يساعد على اكتشاف الذات المبدعة، أو الذات الكاتبة.

نظام صارم

إن الشعر مثلاً، يتطلب نظاماً صارماً منذ البداية يتعلق بالوزن والقافية والبحور والعروض، وهذه الأنظمة «العلمية» تماماً لا تتوفر بسهولة وبساطة للكاتب الذي يبدأ حياته وهو يتلمس عتباتها الأولى، لذا، يتجه الكاتب إلى ما هو أسهل، والأسهل من الشعر هي القصة القصيرة التي لا تحتاج إلى نظم عروضية علمية، في حين أن القصة لا تكلف شيئاً ليس إلا البوح والحكي والسرد والخروفة والتداعيات السردية النثرية المتحررّة من أية أوزان أو عروض.

لكن حين يتقدم العمر بالكاتب، ويكتسب المرونة والخبرة والثقافة تجده، وبكل موضوعية ذاتية، يتوجه إلى خياره الأدبي الأخير، وليس الكتّاب الإماراتيون وحدهم من بدأوا بكتابة قصص يتيمة في أوائل حيواتهم الأدبية، فلنا أن نتذكر أن نجيب محفوظ الروائي العالمي النوبلي بدأ قاصاً، وبدأ غابرييل غارسيا ماركيز كاتب قصص خبرية صحفية «تحقيقات»، والكثير من الكتّاب الكبار في العالم مثل البرتغالي خوسيه ساراماغو، النوبلي، أيضاً، بدأوا يتلمسون الكتابة الروائية الناضجة عن طريق محاولات قصصية يتيمة هي الأخرى، مع الإشارة هنا، أن بعض الكتّاب يهاجر هجرة معاكسة إن جازت العبارة، فهو يبدأ شاعراً ثم يعود روائياً من دون المرور باليتم القصصي إن جاز الوصف، وعلى أي حال فما بين القصة والرواية مسافة قصيرة، لا بل هناك قصة قصيرة طويلة أطلق عليها النقّاد توصيف «النوفيلا»، هي ذاتها الرواية القصيرة مثل رواية «الحمامة» للكاتب الروائي الألماني «باتريك زوزكيند».

.. نعود الآن إلى اليتم القصصي الإماراتي، فقد قام الكاتب القصصي الإماراتي محسن سليمان، والكاتبة القصصية لولوة المنصوري بالاتصال بعدد من الكتّاب الإماراتيين واستطاعوا الحصول من أرشيفاتهم الأدبية ومتعلّقاتهم الورقية الأولى على قصص يتيمة كتبها هؤلاء الشعراء والرسّامون والمسرحيون، وأوردها هنا للقارئ بتواريخها وأماكن نشرها، وبعضها ينشر للمرة الأولى في هذا الكتاب التوثيقي الذي تكشف لنا قراءته عن الأمزجة الأولى للكتابة القصصية في الإمارات:

– «عندما تخرج الحروف من أكفانها» قصة للشاعر إبراهيم الهاشمي منشورة في مجلة «الأزمنة العربية» في 30 أغسطس 1989.

– «عود ثقاب يحرق ذاكرة سعد» قصة للمسرحي إبراهيم سالم منشورة في مجلة مزون، العدد الثالث، يونيو 1991.

– «أحلام فاطمة» قصة للشاعر أحمد العسم من أرشيفه الشخصي، كتبها في العام 1995.

– «شنقوا العيد على أبواب المدينة الفاسدة» و«وجثمت على الصندوق أبكي».. قصتان للشاعر أحمد راشد ثاني.. الأولى منشورة في مجلة الأزمنة العربية 1979، والثانية منشورة في المجلة نفسها في 1979، والقصتان من أرشيف إبراهيم الهاشمي.

– «بعض ما حدث في ليلة رأس السنة» قصة للشاعر حبيب الصايغ أرسلها قبل وفاته بشهرين إلى معدّي الكتّاب.

– «سيارة كشف» قصة للشاعر سالم بوجمهور من أرشيفه الشخصي.

– ثلاث نساء، ضجر بن طوق، المرأة التي يوم تأخر بريد الأمل.. أربع قصص للشاعر عادل خزام من أرشيفه الشخصي.

– «إيقاعات جنائزية مبكرة» قصة للشاعر عبدالعزيز جاسم منشورة عام 1987 في مجلة شؤون أدبية العدد 2.

– «المسوّدة».. قصة للتشكيلي علي العبدان من أرشيفه..

– «مومياء، وأشياء أخرى» قصة للسينمائي الإماراتي مسعود أمر الله كانتا في أرشيف عبدالله السبب.

– «الانغلاق بعد الذبح» قصة للشاعرة موزة حميد منشورة في نشرة «رؤى» عدد ديسمبر 1989، من أرشيف عبدالله السبب.

– «القروي والمدينة» قصة للشاعر هاشم المعلم منشورة في مجلة مزون 1993.

– «المطوّعة» قصة للشاعرة الهنوف محمد منشورة في مجلة «الملتقى الأدبي» يناير 1994 «مسرح رأس الخيمة الوطني» من أرشيف عبدالله السبب.

مشهديات

هنا ملاحظات وانطباعات على هذه النصوص وأرشيفها وأجوائها العامة.. أولاً: بالطبع تدور هذه النصوص في إطار المحاولات وفي إطار الإرهاصات الأولية التي يلزمها الكثير من الخبرة، والثقافة، والفنّيات المتفق عليها في فن القصة القصيرة.

ثانياً: تتكئ معظم هذه النصوص على مشهديات طفولية، ثم مشهديات مكانية، ذاته المكان الأول الذي استوعب الطفولة الأولى.

– ثالثاً: تجنح بعض النصوص إلى الإنشائية، وإلى الشعرية وإلى الحوار المسرحي، وهي قصص ذاكرة أولية في الغالب تتلمّس طريقها إلى النضج، والاعتراف بها كأجناس أدبية.

.. لعلّ عدم حصول هذه النصوص على اعترافات أدبية أوّلية وبخاصة من جانب كتّابها هو من جعل منها قصصاً يتيمة. الكاتب نفسه هو أوّل من يحكم على تجربته بأن تكون يتيمة أو لا.

رابعاً: تكشف لنا هذه النصوص البكرية، الأولية، وبعضها سطحية عن اهتمام بعض الكتّاب الإماراتيين بالأرشيف. مثل أرشيف إبراهيم الهاشمي، وأرشيف عبدالله السبب.

– خامساً: لعلّ في أرشيفات ثقافية شخصية عديدة في الإمارات ما هو الكثير من الأدب اليتيم، والكتابة اليتيمة، لكن المهم من يبحث عن هؤلاء الأيتام.

الصورة
جريدة الخليج