لا، لا .. ليس بهذا الشكل .. أنصت إلي أرجوك.. توقف قلت لك واترك كل ما في يديك حالاً .. أنت بالتأكيد تذكر ؟ رؤية ؟ تلك العبدة الحبشية والتي اتهمت جدي باغتصابها .. لا لم أرها ولكن أمي روت لي تلك الحادثة.. لقد حصلت قبل ولادتي بسنوات.. اسمعني جيداً.. لا أريد أن أتوقف الآن .. آه يا إلهي سأموت.. إنني ألهث بشدة.. لكن من هو ذاك الذي يركض هناك؟
إنني حتى لا أرى جيداً .. انظر إليه .. انظر .. كان يقف هناك.. نعم هناك قرب النافذة .. أعني قرب حافتها تماما .. كان يقف باستمرار وكان يحبني.. نعم يحبني قلت لك .. قال شيئاً شبيهاً بهذا وكنت حينها أكل ثلجاً مجروشاً وأضحك .. كنت أضحك حين مات.. هل أخبرتك بهذا ؟
لا أريد ماء.. لا أحد يقشر البرتقال بالسكين.. قشره بيديك… أنت حتى لا تكترث لعصفوري الذي قضمته قطة لعينة منذ عام… تلك الساقطة.. تسللت ليلاً وتمكنت من فتح القفص والتهمته دفعة واحدة .. آه دفعة واحدة .. آه رأسي.. لم أسمع أنينه فلم أنا هنا .. دعنا نتمشى في الحديقة قليلاً ولننس الماضي.. أشعر الآن بأني بخير .. هل نسيت بأني من برج العقرب ؟ بإمكاني أن السعك دون أن أموت.. لا تخف لن أقتلك فأعد الشال إلى ما كان عليه.. ارجع وإلا فسوف أنادي على نفسي… وستجيء ؟ روية ؟ وتثأر لما تبقى من شرفها.. لقد اغتصبها المزارع الأفغاني ليلاً ولكنها اتهمت جدي.. آه جدي الذي مات بحسرته.. لا لم أره ولكنها أمي هي من أخبرتني كيف عاد من مركز الشرطة بلا وجه .. لقد سكبوا وجهه على الأرض.. بالقرب من تلك القمامة.. هل تشم هذه الرائحة الغريبة… ليس دخاناً يا غبي.. إنهم الغجر الذين حدثتك عنهم قبل يومين.. أراهم في منامي دائما .. دائماً أراهم .. يبدو بأنهم أتوا لأخذي.. وعدتهم بالذهاب معهم إلى هناك .. ألا تفهم ؟ لأنه قدري .. كم مرة علي أن أشرح لك ذلك.. وأنت ما حكايتك؟
إياك أن تلمسني مجدداً .. أكره أصابع يديك المشعرتين كجلد القنفذ.. ماذا لو غاصت في جلدي وسال منه القيح.. آه هذا القيح لا يجف.. ولكن لا أحد يحبني .. أنت تكذب و أنا لا أصدقك.
كانت ؟ روية ؟ عبدة حبشية .. لا تقاطعني رجاء.. اختطفها تاجر رقيق وهي صغيرة وباعها لثري من أعيان مكة .. لا أعرف كيف وصلت بعبوديتها إلى أبوظبي .. لكنها فقدت عقلها فجأة.. ربما سقط منها في الطريق.. وهكذا حصلت على حريتها دون أن تدفع فلساً لأحد.. كانت ترتدي برقعاً أسود وكانت بشرتها سوداء وطافحة بالبثور الرمادية .. كانت تقطع على الأطفال طريقهم فيتناثرون في كل مكان من شدة الرعب.. لا طبعاً أنا لا أخاف العتمة من الخارج بل أخافها من الداخل .. اخرس انت.. كانت تقوم برعاية عشرات القطط في كوخها الفارغ أصلاً من الأثاث وتدفن ما تتلقاه من مال في الأرضية الترابية .. تلك العجوز الحقيرة .. لا بد وأنها هي من أرسلت القطة لالتهام عصفوري.. انظر إلي.. بإمكاني أن أجدل ضفائري دون أن أستعين بمرآة .. يا إلهي ما أروع هذا القوام… كنا سنتزوج بعد أسبوع من زواج أخته.. وكان فستان زفافي رائعاً أيضا .. من أنت وماذا تفعل هنا بالقرب من سريري؟
آه یا مسكين.. أنت تبكي .. لكن لماذا أنت تبكي؟ لماذا؟ لماذا؟
لماذا؟
من مجموعة باص القيامة