ردّت بكلمة واحدة: «لا» على طلب المسافر بجانبها أن يقايض معها مكان الجلوس، أشاحت النظر ملتفتة إلى الأمام. أخذت شهيقاً طويلاً، كان طبيباً طلب منها ذلك وزفرت بطمأنينة امرأة متعبة من انتظار انتهى أخيراً.
كررت الكلمة بتلذذ في سريرتها، عذبة خرافة الانتصار. استخدمت سابقاً كل حروف الهجاء، لكن هذين الحرفين لم يأتيا بهذا الترتيب، وتؤكدهما نقطة على سطر. كانا دوماً كائنين ملتصقين بحروف أخرى، من الأمام تسبقهما، أو من الخلف كذيل. هذه الــ «لا» الساحرة، الخارقة، كرة لائية كاملة. مذاق الكلمة على طرف لسانها ذكّرها بمذاق لقمة سوشي، توسطها قطعة من سرطان البحر، ملفوفة بالأفوكادو والأرز، ومغمّسة في خليط معجون الواسابي الأخضر وصلصة الصويا، ومغلفة بشرائح الزنجبيل الوردية الرقيقة. نفذ الطعم إلى جيوبها الأنفية، كما نفذت الكلمة في ثناياها الآن.
نظرت إلى السحب على يمينها مرتاحة في مقعد درجة رجال الأعمال الذي دفعت قيمته بالفيزا، ستوفر النقد للسفر. أمسكت يديها بقوة لم تعرفها من قبل. تسعة وعشرون من الفصول المتتابعة في الحياة، ولم تقل فيها «لا». احتجزت في حنجرتها، قالت لها المدلكة إن الكثير من الضغوط احتبست في عنقها، والكثير من جثث الكلمات تخنق طاقة شاكراتها.
أحست أنها ولادة جديدة لها، كمخلوقة مارست حق الــ «لا»، دوّنت في ورقة تاريخ اليوم، ميلاد أول «لا»، حتى وإن كانت لرفض طلب مسافر تبادل الكرسي معها. كان عليه أن يفعل مثلها، أن يختار مقعده عند الحجز ليضمن راحته، ويحصل على مراده، غلطته أنه لم يفعل. طلبت جنجريل، شربته، وأكلت المكسرات، وفتحت شاشة التلفاز أمامها، تختار فيلماً.
خلع جارها ساقه الاصطناعية اليمنى، ووضعها جانباً، ثم غطى فخذه بلحاف، رمقته، وهي تفقد قدرتها على التفكير، وتكره «لاءها»، وتغرق في الكرسي راغبة في القفز من الطائرة.