عُرفت الراحلة منذ بداية حضوري إلى نادي القصة عام 2002 كرائدة لفن القصة القصيرة في الإمارات، فكان اسمها يتردد كثيراً خلال الورش والملتقيات كصوت نسائي من الرعيل الأول، كما يتردد اسمها تاريخياً كأحد أبرز الشخصيات النسائية اللائي كان لهن الفضل في تأسيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
وعرفتها عن قرب بعد أن ألقيتها في إحدى المناسبات الثقافية عام 2005 وقتها كانت تعمل في جريدة «البيان»، وكانت قد قرأت لي بعض القصص، فأبدت شيئاً من الإعجاب (كما قالت) بأسلوب كتابتي لقصة «ليلام»، وقالت إنها قصة تقرأ فنياً وسياسياً (لديك نزعة لاذعة يا محسن) في ذلك اليوم طلبت مني عمل حوار لصحيفة «البيان» وعلى ما أذكر أنني اعتذرت بسبب الخجل (ربما) أو لسبب قلة إنتاجي في ذلك الوقت، ولكنها اقنعتني بأسلوب الصحفي المتمكن، بدأت في طمأنتي بأن الحوار قصير للغاية واتفقنا على الزمان، صباح يوم السبت في المقهى المطل على قناة القصباء على بُعد خطوات من مقر اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات.. من هنا بدت لي كصحفية ملتزمة وصلت إلى المكان في الوقت المحدد بعكس تأخري لبعض الوقت.
بادرتني بالسؤال حول قصة «ليلام» وعن البطل الذي يختفي بطريقة ملغزة… ثم قالت: هي قصة ذهنية بامتياز.. وأكملنا مجريات الحوار بشكل طبيعي تخلله بعض الأحاديث الجانبية عن الأسرة وعن الازدحام وعن تنافس الصحف المحلية، ودور الأمسيات الأدبية في صقل المواهب، وانتهى الحوار الممزوج بالجد والضحك بعد حوالي ثلاث ساعات ونصف.. وبعد أيام اتصلت بي لتخبرني بنشر الحوار، وكان المانشيت يقول «بعد فوزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي» رغم أننا لم نتحدث عن الجائزة أثناء الحوار، فكانت مفاجأة رائعة تعكس مهنيتها، وبعد فترة قالت لم أكن متأكدة من الخبر وعندما تأكدت وضعته في المانشيت، فكان أول حوار صحفي وأجمل مفاجأة صحفية.
التقينا في مناسبات كثيرة ولم نتعدى السلام وإلقاء التحية مع حوار مقتضب، وفي كل مرة كانت تقول فخورة بك يا محسن، إلى أن التقيت بها صدفة في مؤسسة جمعة الماجد عام 2016، وأذكر أنها عرّفت بي لمن كان معها بطريقة جميلة جداً فقالت: «قاص مبدع، وعضو نشيط في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات»، وفي هذه الفترة كانت تستأنف نشاطها الثقافي بعد توقفها لبضع سنوات وكان غياباً قسرياً بسبب ظروف مرض والدتها «رحمها الله».
عندما كنت عضواً في مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وعضو تحرير مجلة «بيت السرد» اقترحت اسمها لرئيس مجلس الإدارة الراحل حبيب الصايغ بأن نستعين بها لرئاسة المجلة فوافق على الفور، تواصلنا معها ورحبت بالدعوة وعملت على اختيار هيئة التحرير واختارتني نائباً لها، إلا أنها لم تستمر فاعتذرت لأسباب خاصة بعد صدور عدد واحد فقط (العدد 16)، ثم خلفتها في رئاسة تحرير المجلة.
المتتبع لمسيرة الراحلة يلاحظ أنها من القلائل اللائي تمسكن بالحضور في المشهد الثقافي وخلال بحثي عن سيرتها وجدتها تدين لأسرتها بالكثير بسبب تشجيعهم ودعمهم اللامحدود سواء في الكتابة أم الدراسة، حيث تخرجت من كلية آداب بغداد عام 1979-1980 قسم اللغة العربية، وقد اختارت هذا القسم بالذات لحبها لدراسة اللغات وخاصة الإنجليزية والأدب الإنجليزي، تقول إنها استفادت من دراستها أكثر مما توقعت، لأنها وجدت أشياء كثيرة لم تكن تعرفها واكتشفتها لأول مرة.
والقارئ لها يلحظ بروز الحس الإنساني في سردها، حيث لا تحيد عن الواقعية، وأهم مثال على ذلك قصتها «فيروز»، وكما تقول إنها تكتب من أجل المجتمع في صور حقيقية وصادقة تجسم مساوئه وحسناته وتطرحها للنقاش حتى يتم حلها فيما بعد، وبذلك تكون قد استطاعت عمل شيء ما من أجل مجتمعها ووضع يدها على المشكلة. وكانت من أوائل المطالبين بوجود كيان يلم شمل الكتّاب والأدباء في الإمارات، حدث ذلك في لقاء أجري معها في بداياتها قالت فيه: «أتمنى من الدولة أن تعترف بوجود اتحاد للكتّاب والأدباء تشجيعاً لكل من يكتب في الدرجة الأولى، لأن ذلك يشعرنا بأن هناك شيئاً يربطنا، لأن العزلة لا تساعد على الإنتاج وطلاقاً».
عاصرت بداية الحراك الثقافي وشهدت دور الأندية الثقافية والرياضية والصحف التي أسهمت في انضاج قلمها وأكسبتها الكثير من الخبرة، بدأت حياتها العملية من خلال وزارة التربية والتعليم كتجربة ولكنها سرعان ما اندمجت وأصبحت قريبة جداً إلى نفسها بالرغم من اختلاف التخصص بين (التربية) و(الآداب)، وعملت مشرفة فنية للغة الإنجليزية كما تدربت على يد أساتذة خبراء ومتخصصين جاءوا من بريطانيا.
وعن بداية الشرارة التي اكتشفت موهبتها، حصل ذلك عندما كتبت قصة بعنوان «حادث بسيط» وبالمصادفة امتلأت وسائل الإعلام بخبر عن مسابقة للقصة القصيرة ينظمها القسم الثقافي في جريدة «الخليج»، فدفعت بالقصة للمشاركة ونسيت الأمر حتى جاءت النتائج بفوزها بالجائزة الأولى، وأصبحت مريم حديث الصفحات الثقافية ونالت المباركة والثناء وبعض النقد الموجه إلى «حادث بسيط» من أجل تقويم بعض الهنّات، كان ذلك في مطلع عام 1981 أي في بداية النهاية لعصر منع الفتاة من دخول معترك العمل والتصدي لوسائل الإعلام وكان ما فعلته مريم يعد سابقة موفقة تستحق الإشادة.
وكانت دائماً تحيل الفضل في تشجيعها إلى إخوتها الصبية الذين ساهموا في انتشار اسمها وقصصها في المجلات الثقافية التي كانت تنشرها الأندية الرياضية في بدايات الثمانينات من القرن الماضي وكانت تشعر بسعادة غامرة وهي ترى قصصها منشورة، الأمر الذي مكنها من النشر أول مرة في جريدة «الخليج» ومجلة «الأزمنة العربية»، ولا تنسى الفضل الكبير لوالدتها التي كانت تحكي لها الخراريف، الأمر الذي ساعدها على الإمساك بخيوط القص الأولية، في بداياتها وصفت بأنها تتمتع بشخصية طموحة ذات أبعاد ثقافية وخلفيات أدبية راسخة، مكنتها من أن تكون إحدى العلامات البارزة في مجال القصة القصيرة في دولة الإمارات، وفي المجال الإداري شغلت مريم جمعة فرج منصب مدير جمعية النهضة النسائية بدبي ومنصب نائب رئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وكان ذلك تتويجاً لنجاحاتها ونصراً للمرأة بأن تكون في المراكز القيادية بعد أن حصلت على تأهيل علمي يؤهلها لذلك، كما أن وجودها داخل اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات يعد إضافة جديدة من نوعها وبرؤية مختلفة، كما قالت بعد فوزها بصفة نائب رئيس الاتحاد: أعظم ما في الأمر أن الرجل نفسه هو الذي اختارها وبإصرار في زمن كان الرجل متسيداً في ساحات العمل والفكر والأدب».
تقول إنها أحبت مهنة التدريس بشدة بعد أن مارستها فور تخرجها، بالإضافة إلى قراءتها لكل ما وقع تحت يدها من الكتب التي كانت تشتريها أو تستعيرها، أما الكتابة فكانت بمثابة الهواية منذ أن كانت صغيرة جداً، إلى درجة أنها كانت تقلد بعض القصص بأسلوبها الخاص، وعن قراءاتها تقول إنها قرأت كثيراً القصص المترجمة عن الروسية والإنجليزية والفرنسية، كما أعجبت بكتابات تشارلز ديكنز وتوماس هاردي، ومن العرب أحبت (العبقري) طه حسين. كما كتبت الشعر الفصيح والعامي في مراحلها السنية الصغيرة ونشرت بعضها في المجلات ولكن الشعر بقي مجرد محطة عابرة غير القصة التي أخلصت لها.
أعجبت بأمينة بوشهاب وسلمى مطر سيف التي اشتركت معهما في مجموعة قصصية بعنوان «النشيد» صدرت عام 1987، كما تعجبها كتابات عبد الحميد أحمد، ومعجبة بالطريقة الحديثة التي يكتب بها الأدباء الغربيون.