Glogo

مريم جمعة فرج (قبل الوفاة) – محسن سليمان

هي واحدة من رائدات فن القصة القصيرة في الإمارات، ومن القلائل اللائي تمسكن بالحضور في المشهد الثقافي درست في مدارس دبي وتخرجت من كلية آداب بغداد عام 1979-1980 قسم اللغة العربية، وقد اختارت هذا القسم بالذات لحبها لدراسة اللغات وخاصة الإنجليزية والأدب الإنجليزي، تقول إنها استفادت من دراستها أكثر مما توقعت، لأنها وجدت أشياء كثيرة لم تكن تعرفها واكتشفتها لأول مرة، كما أكملت دراساتها العليا في المملكة المتحدة.

تقترب من الحس الإنساني في سردها، حيث لا تحيد عن الواقعية، تقول إنها لا تميل إلى الرومانسية بل تكتب من أجل المجتمع في صور حقيقية وصادقة تجسم مساوئه وحسناته وتطرحها للنقاش حتى يتم حلها فيما بعد «وبذلك أكون قد استطعت عمل شيء ما من أجل بلادي الحبيبة».. هي من أوائل المطالبين بوجود كيان يلم شمل الكتاب والأدباء في الإمارات، حدث ذلك في لقاء أجري معها في بداياتها قالت فيه: «أتمنى من الدولة أن تعترف بوجود اتحاد للكتّاب والأدباء تشجيعاً لكل من يكتب في الدرجة الأولى، لأن ذلك يشعرنا بأن هناك شيئاً يربطنا، لأن العزلة لا تساعد على الإنتاج وطلاقاً».

عاصرت بداية الحراك الثقافي وشهدت دور الأندية الثقافية والرياضية والصحف التي أسهمت في انضاج قلمها واكسبتها الكثير من الخبرة، توقفت لبضع سنوات، وكان غياباً قسرياً بسبب ظروف مرض والدتها «رحمها الله».

بدأت حياتها العملية من خلال وزارة التربية والتعليم كتجربة، ولكنها سرعان ما اندمجت وأصبحت قريبة جداً إلى نفسها بالرغم من اختلاف التخصص بين (التربية) و(الآداب)، عملت مشرفة فنية للغة الإنجليزية، كما تدربت على يد أساتذة خبراء ومتخصصين جاءوا من بريطانيا.

قفزت فجأة إلى دائرة الضوء العام 1981 بعد «حادث بسيط»، وقتها امتلأت وسائل الإعلام بخبر عن مسابقة القصة القصيرة التي ينظمها القسم الثقافي في جريدة «الخليج» وفوز مريم بالجائزة الأولى وحديث الصفحات الثقافية بالثناء والنقد حول صاحبة قصة «حادث بسيط»، في ظل أيام كانت العادات والتقاليد تمنع دخول الفتاة إلى هذا المجال، وما فعلته مريم يعد سابقة موفقة تستحق الإشادة، وتحيل الفضل في تشجيعها إلى إخوتها الصبية الذين ساهموا في انتشار اسمها وقصصها في المجلات الثقافية، التي كانت تنشرها الأندية الرياضية في بدايات الثمانينات من القرن الماضي، وكانت تشعر بسعادة غامرة وهي ترى قصصها منشورة، الأمر الذي مكنها من النشر أول مرة في جريدة «الخليج» ومجلة «الأزمنة العربية»، ولا تنسى الفضل الكبير لوالدتها التي كانت تحكي لها الخراريف، الأمر الذي ساعدها على الإمساك بخيوط القص الأولية، في بداياتها وصفت بأنها تتمتع بشخصية طموحة ذات أبعاد ثقافية وخلفيات أدبية راسخة، مكنتها من أن تكون إحدى العلامات البارزة في مجال القصة القصيرة في دولة الإمارات، وفي المجال الإداري شغلت مريم جمعة فرج منصب مدير جمعية النهضة النسائية بدبي، ومنصب نائب رئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وكان ذلك تتويجاً لنجاحاتها ونصراً للمرأة بأن تكون في المراكز القيادية بعد أن حصلت على تأهيل علمي يؤهلها لذلك، وعن وجودها داخل اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات فهو إضافة جديدة من نوعها وبرؤية مختلفة، كما قالت بعد فوزها بصفة نائب رئيس الاتحاد: «أعظم ما في الأمر أن الرجل نفسه هو الذي اختارها وبإصرار في زمن كان الرجل متسيداً في ساحات العمل والفكر والأدب».

تقول إنها أحبت مهنة التدريس بشدة بعد أن مارستها فور تخرجها، بالإضافة إلى قراءتها لكل ما وقع تحت يدها من الكتب التي كانت تشتريها أو تستعيرها، أما الكتابة فكانت بمثابة الهواية منذ إن كانت صغيرة جداً، إلى درجة أنها كانت تقلد بعض القصص بأسلوبها الخاص، وعن قراءاتها تقول إنها قرأت كثيراً من القصص المترجمة عن الروسية والإنجليزية والفرنسية، كما أعجبت بكتابات تشارلز ديكنز وتوماس هاردي، ومن العرب أحبت (العبقري) طه حسين. كما كتبت الشعر الفصيح والعامي في مراحلها السنية الصغيرة ونشرت بعضها في المجلات، ولكن الشعر بقي مجرد محطة عابرة غير القصة التي أخلصت لها.

أعجبت بأمينة بوشهاب وسلمى مطر سيف التي تشاركت معهما في مجموعة قصصية بعنوان «النشيد» وصدرت عام 1987، كما تعجبها كتابات عبد الحميد أحمد.. وعن تأثرها بأحد من الكتاب، تقول مريم جمعة فرج إنها لم تتأثر بأسلوب معين، ولكنها معجبة بالطريقة الحديثة التي يكتب بها الأدباء الغربيون.

وعن الترجمة تقول: إنها ليست مجرد نقل معلومات وألفاظ من لغة إلى أخرى، بل هي نقل المعنى وما وراء المعنى، لأنها أولاً أداة ووسيلة تواصل تعبر عن التراث الثقافي والفكري للمجتمع وعن معتقداته وتوجهاته، وتنقلها إلى المجتمعات الأخرى والعكس بالعكس، كما تؤكد أهمية الترجمة الأدبية التي تأتي كونها مرآة لحياة الشعوب، وتعكس إنجازاتها الأدبية والحضارية، كما تعتبر أن الاستثمار في عالم الترجمة الأدبية يحقق رقي الإنسان وتمازجه مع الثقافات والأفكار من حوله.

في عام 1988 صدرت مجموعتها «فيروز» وكانت «شخصياتها تعيش حالة من الهذيان والحلم واجترار الأفكار المحلقة في مدارات الرومانسية رافضة للواقع، ومتمردة عليه وأن الحلم هو البديل الموضوعي للواقع».

في عام 1994 صدرت مجموعتها «ماء» التي حظيت باهتمام نقدي كبير.