Glogo

كفّي الملطخة بدمائي – مريم عبد الله

كروتيني اليومي والطبيعي استيقظت اليوم في قرابة العاشرة. أمسكت هاتفي، تصفحت السناب أولاً، ثم الواتساب، ودخلت اللعبة التي أقضي معظم وقتي ألعبها، اللعبة تبدو طفولية بعض الشيء لفتاة تكاد تبلغ الرابعة والعشرين، لكن المهم أنها تسلب من أوقاتي المملّة الكثير. وصلت المستوى الألف والأربعمئة والثلاثة والخمسين، وكل ما كان ينقصني لاجتيازه هو توصيل خمس من الفراولات ببعضها، وكانت متبقية معي حركة واحدة قبل أن تنفد منّي الحركات المسموحة. يبدو الفوز سهلاً. وصلت بإصبعي ثلاثاً من الفراولات، وبشكل خاطئ أفلت إصبعي عن الشاشة إثر شعوري بحكة غريبة في رجلي اليسرى. أغلقت اللعبة بعد الخسارة السخيفة، ورميت الهاتف بجانبي، ثم استقمت بظهري حتى أنظر لرجلي. قبضت يداي بشدة، حتى بانت أظافري بكفي، وسمعت كلّ ما بداخلي يشتم:

– تباً لهم.. لقد نقضوا السلام الذي عهدته معهم البارحة، وتجاهلوا تهديداتي.

ثم صرخت حتى يسمعوني، وبحة النوم ما زالت في صوتي:

– سأقتلكم جميعاً بكلتا يديّ.

وقبل أن أنهض من السرير نظرت إلى أظافري الطويلة. البارحة طليتها بالأحمر، ويبدو اللون جميلاً على أصابعي الرفيعة. يبدو أني سأتركه لمدة أسبوع هذه المرة. نظرت إلى العلامات البنية المتفرقة على يدي، لعل بعضها اختفى، لكنني رأيت نقاطاً حمراء جديدة كلها من جرائم هؤلاء المتوحشين الذين سأقتلهم اليوم.

نهضت أخيراً من السرير، وذهبت للحمام. جلست على المرحاض، وأمسكت الهاتف، فأنا كالعادة استغرق ما بين الثلاثين والأربعين دقيقة، أظل خلالها أجدّد معلوماتي اليومية بأحداث العالم. وقبل الغرق في أخبار المجتمع، ألقيت نظرة على إيميلي، لكن ككل يوم، لا رسائل جديدة سوى رسائل الإعلانات المتكررة. وبعدها رأيت أحداً منهم يحوم حولي ويزعجني. لا يحترمون حتى آداب الحمام. فقررت النهوض، وتعقبته، حتى وقف على باب الحمام الأسود. الحيوان الصغير يعرف كيف يتوارى عن الأنظار، لكني تتبّعته ببديهة، وبسرعة فائقة قمت بصفعه.

– أحسن.. أحسن.. تستاهل..

ورأيت آخر يترك الباب هارباً، فقفزت نحوه وصفقته بكلتا يدي، ورحل أيضاً. شعرت بالنشاط بعدها، فلم أعد أشعر بأني أحتاج لشرب كوب قهوة، وغسلت بعدها يدي وأسناني، خرجت بعض الدماء من لثتي. يبدو أني غداً سأزور طبيب الأسنان، رغم أني لم أشعر بأيّ ألم أثناء غسلها. وأيضاً حين كنت أصفّف شعري المجعّد حتى أربطه رأيت شعرة بيضاء أخرى، وأنا قد قطعت بالفعل ما يقارب الخمسين شعرة بالأمس. آه. الشعر الأبيض. هذا فقط ما جنيته من دراسة الهندسة. لم أجد له حلاً للآن إلا قطفه من جذوره. وبعد أن قطعتها ظللت أبحث عن شعرات أخرى بتركيز، فبعضها يكون من عند الجذور بيضاء وأطرافها سوداء..

ما حدث بعدها لا يصدق..

بكل جرأة جاء أحدهم ليقف على المرآة، ولم أتردد بصفعه أيضاً. وأخبرته بعدها رغم أنه بالتأكيد لم يكن يستطيع سماعي:

– سأتركك معلقاً على المرآة لتكون عبرة لهم..

أظن أنه من الجيّد أني تركته هكذا، فلم يزعجني أحد منهم حتى خرجت من الحمام، وبدأت أبحث عن مخبئهم. فأنا أعلم أنهم يختبئون نهاراً، ويخرجون خلسة ليلاً لارتكاب جرائمهم ضد البشر. أنا حقاً أغضب من الذين يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة.

تذكرت أنني في العام الماضي في هذا الوقت كنت أخرج كتاب «الأعلام في الأندلس» من أحد رفوف المكتبة لإجراء بحثي ذاك عن ثقافة الأندلس في مادة العلوم الإسلامية. وفي ذلك العام أيضاً كنت أعمل على مشروع تخرّجي، وكنت تقريباً لا اقرأ، فمكتبتي باتت ملاذاً لبعضهم. حينذاك رأيت قرابة الأربعة أو الخمسة منهم يخرجون من بين الكتب هاربين. لو أعود بالزمن لكنت ذبحتهم هم وجميع من يتبقّى من عائلتهم أو أقاربهم. فذهبت فعلاً باتجاه المكتبة وهززتها.

– آه، أظن لو أني هززتها العام الماضي، لهبت عاصفة رملية من كثر غبرتها.

ولكن منذ تخرجت وأنا أقوم بتنظيفها في كل مرة أخرج منها كتاباً، أو حين أرجع فيها كتاباً. وبالفعل هذه المرة للأسف لم تخرج إلا واحدة، وما إن خرجت حتى أوقفت هز المكتبة، وتوقفت عن الحركة، وبدأت ألاحقها بعيني وبمساعدة رأسي، حتى رأيتها تستقر على مرآة الكومودينو الذي يقع بجانب المكتبة بالضبط. تفرّق بينهم مسافة حقيبة مدرسية مملوءة بالحلويات أخبئها عن إخوتي الصغار. أعطيتها الأمان، ثم انقضضت عليها بكفّي، وقتلتها. من قوّة الصفعة شكرت الله أن يدي صغيرة وضعيفة، فوزني البارحة كان 52.8 كيلو غراماً، أقلّ بأربعة غرامات عن يوم السبت، أي قبل أربعة أيام. ربّما بعد أن أتناول كلّ هذه الحلويات قد أصبح سمينة وتزيد قوّة كفّي. بعد أن سحبت كفّي بعيداً عن المرأة صرخت:

– أيتها الحيوانة.. إذاً، أنت من مصصت دمائي اليوم.. موتي.. موتي.. موتي..

وأخرجت هاتفي مباشرة من جيبي، ثم وضعت كفّي مقابل المرايا، وقمت بالتقاط صورة احترافية لضحيّتي وكفي الملطخة بالدماء، وذهبت بعدها مباشرة لأغسل يدي بالماء والصابون، فيدي كانت مقزّزة لأبعد حدّ.

أمسكت هاتفي مجدداً، ودخلت الفيس بوك. أعتقد أني يجب أن أغيّر اسمي المستعار.

– ممم.. صفّاعة.. يبدو لائقاً..

– صفّاعة؟! حتّى ليست كلمة صحيحة لغوياً.. على الأقلّ اكتبي سفّاحة..

– صحيح.. سفّاحة الناموس.. يبدو مخيفاً أكثر.

غيّرته، ثمّ مباشرة قمت بتنزيل الصورة معلّقة:

«4 ضحايا للآن.. هم من بدؤوا المعركة، وأنا من سينهي الحرب منتصراً»..

والآن يا نسخ أوراق سيرتي الذاتيّة، هكذا كان صباحي.. قضيت اليوم بطوله أقتل الناموس من البيت بالبفباف، وبصفعهم حتى أشعر بالمتعة أكثر، فكيف كان صباحك؟ هل أقنعت أحداً بتوظيفي؟ وما رأيك؟ هل يجب أن أضيف قتل الناموس إليك لعلّي أجد وظيفة في شركة لقتل الحشرات؟