ناصر البكر الزعابي

الجرذ – ناصر البكر الزعابي

لأنه من فصيلة القوارض، لأنه أحد أقرباء الفأر، تميّز الجرذ بالخبث الشديد طوال حياته، واستخدم اللؤم وسيلة ناجعة لتحقيق أهدافه، حيث شكّل أكبر خطرٍ على الإنسان وسعى لنشر التلوّث والأمراض بخطى حثيثة، انتشر هذا الجرذ في كل مكان، فوق الأسطح، في الجحور، بين الغرف والممرات، لا يكل ولا يمل في نشر خبثه وسمومه وشرّه، وتفنّن في إيذاء الجميع بشكلٍ مقزز ومتعمّد، فهو الجرذ المضطهد كما يزعم، والذي يكرهه الجميع بلا استثناء ويتمنّون التخلّص منه بأسرع وقت ممكن؛ يتفادى الجرذ مواجهة البشر بشكل مباشر، ويقوم بأفعاله السيئة خلف الكواليس، ويهرب من المواجهات ويفلت من العقاب بأعجوبة، إلا أنه استطاع التأقلم والعيش بجوار بيوت الإنسان، ليرصد ويراقب تحركّاته، ويرسم خطة الإيذاء المحكمة؛ المشكلة أن القطط غابت تماماً عن المشهد، ولم تعد تمتلك المخالب والأنياب الملائمة لمعركتها مع الجرذ، فاستكانت في خنوعٍ غريب وخضوعٍ مريب، حتى تمكّن الجرذ من إحكام قبضته على كل شيء، أصبح يطارد الجميع في كوابيسهم، واعتبروه رمز المقت والكراهية، ولأنه يتكيّف مع بيئات متعدّدة بسط الجرذ نفوذه وتحوّل إلى وحشٍ كاسر، إلا أنه لا يفارق جحره كثيراً خشية انتقام الجميع منه، وخشية استيقاظ همم القطط الكسولة، لكن القطط المصابة بالخمول المزمن لم تحرّك ساكناً ليتبوّأ الجرذ صدارة المشهد، لينشر سمومه كما يشاء بلا حسيب أو رقيب ملقياً بتهم التقصير على القطط في الظاهر، وليوجّه رسالةً مهمة للإنسان بأنه صار أقوى مما يتخيّله.

في النهاية، تمكّن الجرذ من احتلال البناية الشاهقة، وبسط نفوذه على صاحبة المكان التي لا حول لها ولا قوة أمام سطوة الجرذ، فانساقت وراءه حتى أصبحت تابعة له، وراحت تطبّق كل ما يأمرها به في طاعة عمياء أثارت حنق الجميع، ورويداً رويداً انفض الجميع من حولها، ليبتسم الجرذ بظفر، فقد تبقت له خطوة أخيرة نحو تحقيق حلمه، بإزاحتها وتنصيب نفسه صاحباً للمكان، دون أن يتخلّى عن حذره المعتاد بالاختباء في جحره تحسّباً للمخاطر والتحديات المهلكة، وعمّ السخط العارم أرجاء البناية، ونالت صاحبة المكان أقذع الشتائم والألفاظ البذيئة دون أن تتفوّه بحرف، فهي مستسلمة تماماً لسيّدها الجرذ، وشعر الجميع باليأس وأيقنوا أن الوضع المأساوي يتفاقم، ولم يجدوا الحل، رغم وضوح الحل أمامهم؛ جحر الجرذ، عرينه ومصدر قوته وملاذ النجاة.

وحده الكنّاس البسيط كان على يقين بأن الحكاية ستنتهي بضربة من مكنسته الضخمة على رأس الجرذ.

هذا ما تم بالفعل.