أغرى الأدب الذي تكتبه المرأة في الإمارات، بعض الباحثين بتناوله والاقتراب منه؛ حيث يعد حالة خاصة في منطقة الخليج، وربما العالم العربي، من حيث عدد الأديبات في الدولة في مختلف أنماط الكتابة الإبداعية، وبصفة خاصة في مجالات الرواية والقصة القصيرة، ولئن كانت «الرحيل»، لشيخة الناخي هي القصة الأولى في الإمارات، فقد كانت بمنزلة شرارة انطلقت بعدها عشرات الكتابات في السرد القصصي.
«القصة القصيرة النسائية الإماراتية… 1970 ـ 2000»، للكاتبة ناجية علي راشد الخرجي، الصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة في طبعته الأولى عام 2018، يعد من النصوص البحثية المهمة في تقصي تجربة الكاتبات الإماراتيات في مجال القصة القصيرة منذ بدايات تأسيس الدولة وحتى عام 2000، وهو أمر يشير إلى تزايد عدد المؤلفات من النساء في الدولة، واهتمام المرأة بصورة عامة بالأدب، وبالسرد بصورة خاصة؛ حيث إن القصة القصيرة هي الفن صاحب المكانة الكبيرة في منطقة الخليج؛ إذ برزت العديد من الأسماء والنجوم التي لمعت في سماء الكتابة القصصية بعد انتشار وازدهار فن القصة القصيرة منذ بداية القرن التاسع عشر، فالقصة حقل أدبي انتشر في المنطقة العربية وبصورة خاصة في مصر، وبرزت أسماء صارت لها مكانتها، لينتقل الإغراء بكتابة القصة إلى منطقة الخليج، وأصبح وسيلة للمرأة الخليجية والإماراتية، للتعبير عن قضاياها وعن المجتمع وما فيه من متغيرات وما تسوده من عادات وتقاليد، فكانت الأقلام النسائية ترصد الظواهر الاجتماعية، وتلتقط التفاصيل الصغيرة، لتشرحها وتفسرها، وفي الإمارات ظهرت العديد من المؤلفات في هذا النمط الأدبي المهم.
الكتاب يقع في 252، صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على العديد من المواضيع والعناوين التي تغوص عميقاً في الموضوع، وهي تتناول تطور الكتابة القصصية النسائية في الدولة، وخصوصية ذلك الإبداع، وتتناول كذلك تطور الكتابة في ذلك المجال من الشكل التقليدي إلى تقنيات التجريب والتجديد، وتشرح بالتفصيل دواعي الريادة النسوية للقصة القصيرة في الدولة، وتتعمق في عناصر ومكونات تلك القصة، إضافة إلى مواضيع وتبويبات عديدة متصلة بالمجال، ففي المقدمة يستعرض الكتاب خصائص القصة النسائية الإماراتية، والتي تميزت في بداياتها بملامح فنية شابها نوع من التشابه، لكونها قد ارتبطت بواقع المجتمع وتجلياته الكثيرة التي تنم عن اتصاله المباشر بالماضي؛ حيث أبرزت صوراً من الحياة الاجتماعية والظواهر على مستوى العادات في زمن مضى، ومن سمات بداية القصص الإماراتية تميزها بالخصوبة في الإنتاج، والغزارة في طرح القضايا الاجتماعية، بالتالي فإن السرد القصصي النسائي في بداياته في الدولة كان شديد الالتصاق بالواقع، وعمل على التعبير عنه والتقاط تفاصيله.
* نساء ورجال
الكتاب يضع السرد القصصي النسائي الإماراتي، في سياق أو جانب منفصل عن إنتاج الرجل في الكتابة الإبداعية القصصية، وللمؤلفة مبرراتها في ذلك الفرز، فالكتاب ينطلق من فكرة أن للأدب السردي النسائي خصوصيته؛ المتمثلة في الصدق، في رصد ملامح الإمارات وما أفرزته التطورات المادية، بعد ظهور النفط، من قضايا ومشكلات اجتماعية وإنسانية، وطموحات وطنية، وقد عبر عنها أدب المرأة أصدق تعبير، متمثلاً في جماليات القص الكلاسيكي، ثم أسرع القص إلى خوض غمار التجارب الجديدة، ما أسهم في إثراء السرد القصصي العربي، وأضاف إليه بدلاً من اجتراره وتكراره، بالتالي فإن طرق النساء للقصة والإبداع الأدبي عبر عن حالة مختلفة، فهي ليست نسخة مكررة من الأدب الذي يكتبه الرجال، أو الذي كان سائداً؛ بل أعلنت الكاتبات من خلال الأعمال المختلفة عن تجربتهن الخاصة، وتناولهن غير المطروق للواقع، لقد كانت هناك رؤية مختلفة في الطرح والأساليب والأدوات والرؤى الفكرية.
ومن الأسباب كذلك التي جعلت الكتاب يتجه نحو تناول السرد القصصي النسائي، هو أن تجربة المرأة الإماراتية كانت حالة مختلفة في هذا النمط الأدبي؛ المتمثل في القصة القصيرة، فقد كانت رائدة في هذا النوع الإبداعي بصورة كبيرة، ويحيلنا الكتاب إلى عدد من المؤلفات والكاتبات اللواتي حققن تلك الريادة، وتشير المؤلفة إلى أن ما ترتب عن ذلك أمر في غاية الأهمية؛ حيث ظل صوت المرأة عالياً ومسموعاً في غمار هذا الميدان الإبداعي عبر عقود ممتدة، وهو الأمر الذي يبدو واضحاً في الإنتاج القصصي الإماراتي، فلقد برز دور المرأة واضحاً وكبيراً في نشأة هذا الفن الأدبي ومراحل تطوره المختلفة ومحطاته المتنوعة.
* أساليب
يغوص الكتاب في العديد من المسائل الفنية والتقنية المتعلقة بطرائق وأساليب البناء السردي في الكتابات القصصية للمبدعات الإماراتيات؛ إذ ضمت سمات وملامح مشتركة؛ وذلك على الرغم من التباين والاختلاف بين كل مبدعة وأخرى في تشكيل عوالمها القصصية؛ حيث إن كل كاتبة استطاعت أن تتميز عن الأخرى في خلق عوالم خاصة؛ أي أن كل مبدعة نجحت في خلق بصمتها، وتشير ناجية الخرجي إلى أن ذلك الأمر يجعل البحث في هذا المجال مهمّاً وحيوياً ومُلحّاً في التركيز على هذه الظاهرة الفريدة واستجلاء أدق تفصيلاتها واستقصاء ملامحها.
ويميز الكتاب بين مصطلحين نقديين مهمين؛ هما: «تقنيات القصة» و«فنيات الكتابة القصصية»، على اعتبار أن الفهم الصحيح لدلالة كل منهما، والتمييز الواضح بينهما، سوف يؤدي إلى رؤية واضحة لمعالم هذا الفن القصصي، وتطوره في دولة الإمارات، ويتناول الكتاب نماذج متعددة لمجموعات قصصية لبعض الكاتبات الإماراتيات، خاصة شيخة الناخي، ومريم جمعة فرج، من جيل الرواد، ثم يعرّج على تجارب نسائية أخرى لأسماء الزرعوني، أمينة بو شهاب، حصة جمعة الكعبي، سعاد العريمي، عائشة الزعابي، فاطمة محمد، ليلى محمد، باسمة يونس، وكذلك قدم الكتاب بالتحليل نماذج لما قدمته كاتبات لم يصدر لهن مجموعة قصصية في وقت صدور الكتاب مثل: ابتسام المعلا، وأسماء المعلومي، وأسرار المنهالي، وسارة الجروان، وسارة النواف، وشيخة عبد الله، وعائشة الكعبي، وصالحة غابش، وفاطمة السويدي، وفاطمة أحمد، ومريم سعيد المري.
* غياب النقد
يستعرض الكتاب العديد من السمات الخاصة بالإنتاج القصصي النسائي في الدولة، وعلى الرغم من كل الأدب الذي كتب بواسطة المبدعات الإماراتيات، فإنه، بحسب المؤلفة، ظل بعيداً عن النقد الأدبي الحر أو الأكاديمي، إلا في محاولات اجتهادية نادرة في بعض الدوريات والكتب النقدية التي اتسمت بالموسوعية، ولم يتعرض أحد من النقاد والباحثين لهذا الموضوع بالعناية الخاصة؛ بل كان تناولهم له أشبه بالمقالات ولم يقدم غوصاً عميقاً في هذه القضية المهمة.
جريدة الخليج – 5 نوفمبر 2023
«القصة النسائية الإماراتية».. بصمات إبداعية لا تُنسى