Glogo

الستارة الزرقاء – آلاء منصور

أغلق الستارة الزرقاء، وارتدى ملابس النوم، واستلقى على فراشه الوثير..

استيقظ قبل الفجر. أعد قهوته السوداء (الأمريكانو). حمل حقيبته المليئة. تنهد. وانطلق بسيارته.

عاد إلى شقته. أخرج علبة المعكرونة الجاهزة. أضاف إليها قليلاً من الماء. وضعها في المايكرويف. شغّل التلفاز، وبدأ يشاهد ما كان يُعرض وهو يتناول طعامه برتابة.

دخل إلى غرفته، التقط كتاباً عنوانه: «عش حياتك كما تحب». كان مُهملاً في زاوية الغرفة منذ فترة طويلة. أخذ يتأمله بجفاء، ثم فتحه متردداً، ولكن سرعان ما أغلقه، ورماه في أعلى رف من أرفف مكتبته العالية. أغلق الستارة الزرقاء وخلد إلى النوم.

*

عاد من عمله متأخراً. أعد طعامه المعلّب. قرر أن يشاهد التلفاز. حاول، لكن التلفاز لم يعمل. حاول مرة أخرى. خبطهُ مرتين متتاليتين! أرجع ظهره واستقام واقفاً، هي المرة الأولى التي يتعطل فيها التلفاز منذ أن أتى للعمل في هذه الدولة..

– اممم،، أعتقد بأني سأطلب الفنّيّ غداً.

جلس على الأريكة الوحيدة في غرفة المعيشة. وبدأ يتناول طعامه..

*

شعر بالملل، كان الهدوء مخيفاً. فتح هاتفه، وقرر أن يتحدث مع أحدهم. ضغط على «جهات الاتصال». كان هناك أربعة أرقام مسجلة فقط: المدير، سكرتير المدير، رقم المكتب، الزبون المتطفل..

تنهد بعمق، ورمى بهاتفه على الطاولة..

أنهى طعامه. بدل ملابسه. أغلق الستارة الزرقاء. وخلد إلى النوم..

*

تننننن تننننن..

تقلب في فراشه بثقل. التقط هاتفه. كان بالكاد يفتح عيناً واحدة.. نظر إلى الساعة..

– ماذا؟! الثامنةُ صباحاً؟! يا للهول!

صرخ، وقفز من فراشه، وانطلق يبدل ملابسه.. لكنه توقف فجأة.. وبدون مقدّمات ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة. بدت بلهاء أول وهلة، لكنها أخذت تتسع شيئاً فشيئاً، وشيئاً فشيئاً تنتقل من حال البلاهة إلى الخبث..

مشى بهدوء نحو النافذة. مد يده نحو الستارة الزرقاء وأزاحها بلطف. أخذ يتأمل الضوء الذي انتشر في أنحاء غرفته، شعر بشيء من الدفء الجميل حين أحاطت أشعة الشمس جسده المرهق.

بقي هناك واقفاً عد لحظات. لفتت أنظاره دودةٌ صغيرةٌ سمينة كانت تزحف ببطء..

ببطء شديد..

ببطء شديد جداً.. على حافة نافذته..

شدت انتباهه. نزل على ركبتيه، وأحنى رأسه. بدا منظرها مثيراً جداً له.

– يااه متى ستصل؟ طريقها طويلٌ جداً!

كانت شفافة اللون ممزوجة بقليل من الصفرة، وتحيط بجسدها خطوط دائرية منظمة تطوّقها من عينيها الصغيرتين جداً حتى نهاية ذيلها..

ظل يتأملها..

– عجيب! إنها لا تملك أرجلاً..

أخذ يفكر. كانت ترفع منتصف جسدها بثقل، مما يجعل الجزء العلوي يتقوّس مندفعاً إلى الأمام. ثم تقوم بسحب ذيلها الخفيف معها في حركة بطيئة تلقائية..

انقضت عشرون دقيقة!

بدأ يشعر بالتنمل في ساقه، ولكنه استمر في مراقبتها. لم تزحف إلا مسافة صغيرة.

– متى ستصل إلى هدفها! إلى أين تريد أن تصل؟ إلى الحافة الأخرى للنافذة؟ لا شيءٌ هناك! بلى، هاوية كبيرة من الطابق السابع. ستلقى حتفها بالتأكيد!

فجأة، وبينما هو يفكر بطريقة لإنقاذها، وبسرعة خاطفة، شاهد منقاراً رمادياً فاغراً وطويلاً حادّ الأطراف يقترب ويلتقط الدودة بخفة.

وقف مدهوشاً! رفع الطائر منقاره للأعلى، بينما كان يفتحه ويغلقه بسرعة كبيرة، ومهارة بالغة، حتى ابتلع الدودة بشكل كامل.

تراءى له الطائر لحظتها كما لو أنه يبتسم له مستهزئاً به..

فرد الطائر جناحيه واختفى في السماء.

كان لا يزال متعجباً، فاغراً فاه، قابضاً على يديه بشدة. شعر بالحزن والضيق والحسرة! بدأ يتعرّق بشدة..

ولكن، وبعد مضيّ نصف ساعة، ابتسم ابتسامةً مشرقة.

أخذ هاتفه ثم كتب شيئاً ما وأرسله على عجل.

أخرج حقيبة سفره الكبيرة، ثم نفض عنها الغبار. أدخل جميع حاجياته الأساسية. أحضر سلّماً صغيراً، ثمّ تسلق نحو أعلى رفوف مكتبته، أخذ كتابه الملقى هناك. أغلق باب شقته وتوجه نحو المطار.

*

هناك..

استلم المدير رسالة نصية. نظر في هاتفه. ضاقت عيناه، وعقد حاجبيه.

استأذن السكرتير، قائلاً بلهجة رسمية:

– حضرة المدير، حان وقت الاجتماع..

رفع المدير رأسه، ثم ألقى هاتفه على المكتب وخرج.

عم الهدوء الغرفة، وكان الهاتف لا يزال مضيئاً برسالة نصية. اختلس السكرتير نظرة إليها.. قرأ:

– سيدي المدير، امممم،،، أعتقد، امممم، بأني لن أعود ثانية!! لا، لا، لحظة.. بل أجزم بذلك.

أنا أستقيـــــــــــــــــــــــــــــــــــل.

و… أجل، لا تسألني عن السبب، ولا تحاول الاتصال بي، فقد أغلقت هاتفي وغادرت البلاد.

وإذا كنت لا تجد تفسيراً لهذا القرار، فعليك أن تسأل الدودة..

أما بالنسبة لي، فقد قررت أن أصبح طيراً!