فلور مونتانارو منسقة جائزة البوكر العربية، بريطانية من مواليد مالطا، نشأت علاقتها بالكتب والأدب مذ كانت صغيرة تتنقل بين مالطا ونيجيريا وموريتانيا، درست الأدب الإنجليزي في جامعة أكسفورد.
ولعل سفرها إلى موريتانيا لسبع سنوات وبقائها منعزلة في صحاري غرب أفريقيا، أرشد وعيها نحو اللغة العربية التي بدأت تتعلمها شفهياً لتعود إلى بريطانيا مرة أخرى، ولكن هذه المرة للالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية والإفريقية، المعهد المعروف كواحد من أشهر معاهد الاستشراق في العالم الغربي.
فلور مونتانارو باتت اليوم منسقة الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) التي تعد إحدى أبرز الجوائز في مجال الرواية. وقد حظيت مجلة «بيت السرد» بفرصة الحوار معها، مقلبين أوراقاً متنوعة عن مسارات الجائزة والتحكيم ودور النشر وآليات الترشح المستجدة، بما تحمله الجائزة من نذير دائم للانتعاش الثقافي والحراك الروائي في الساحة العربية.
الرعاية الإعلامية للفائز
تُسلِّط «جائزة بوكر العربية» الضوء على أصحاب مواهب مغمورة، يمنحهم الفوز بالجائزة فرصة الحضور والاعتراف بمواهبهم وتقديرها حق قدرها، ولكن الملحوظ أيضاً تواري بعض الأسماء الفائزة بعد انطفاء أنوار الاحتفال. وفي تساؤلنا حول ضرورة رعاية صاحب المشروع الروائي إعلامياً ومتابعته على نحو مستمر من خلال نشر الدراسات حول الأعمال الفائزة وتنظيم ندوات ومناقشات مفتوحة على نطاق واسع، تجيب المنسقة فلور: مسؤولية الجائزة الأساسية هي ضمان النزاهة والشفافية في آليات الترشح والتحكيم، بحيث تعمل لجان التحكيم باستقلالية تامة وتختار الروايات الفائزة لتميزها الفني وبصرف النظر عن أي شيء آخر. ليس بإمكان إدارة الجائزة أن تتولى كل ما ذكرت، وهي أيضاً لا تدعي أي أبوة على الرواية العربية، ولا تستطيع أن ترعى شؤونها من كل النواحي. ورغم ذلك، هناك عدد لا يحصى من القراءات والدراسات عن الروايات التي تصل إلى مراحل الجائزة الأخيرة قبل وبعد ترشيحها، وتُعقد ندوات حولها عربياً وعالمياً. وعلى سبيل المثال، تُعقد مؤتمرات في أوروبا من قبل الجمعية الأوروبية للأدب العربي الحديث، وهي جمعية مكونة من أساتذة الأدب العربي الحديث الذين يدرّسون الأدب العربي في جامعات أوروبا، وتركز أغلب الدراسات النقدية التي تُقدم للحاضرين المختصين في المجال، على روايات الجائزة، ويتم استضافة كتابها ليحاضروا المشاركين في المؤتمر والجمهور العام في ندوات مفتوحة.
والجدير بالذكر أن الجائزة دعمت مشاركة الكتاب الفائزين في ندوات ومعارض ومهرجانات عدة عربياً وعالمياً، من بينها مهرجان برلين للأدب، ومهرجان شباك للثقافة العربية المعاصرة في لندن، والمؤتمر المذكور أعلاه، ومهرجان طيران الإمارات للآداب في دبي ومهرجانات براغ ومهرجانات هاي فيستيفال في بيروت وأمريكا الجنوبية وغيرها. هذا كله بالإضافة إلى دعمها المستمر لترجمة الروايات الفائزة إلى لغات أخرى، والتي وسعت دائرة قراء الروايات.
الجوائز والحراك الثقافي
لقد شهدنا عمليات بروز أعداد غفيرة من الروائيين العرب، إذ فجأة ظهرت الجوائز الأدبية، ظهرت في البداية على استحياء ثم تكاثر عددها، وهكذا أصبح للكتاب أمل جديد في الاعتماد على كتابتهم، ومن هذا المنطلق تؤكد فلور أن الجائزة العالمية للرواية العربية أحدثت تغييراً في الحراك الثقافي في الواقع الفعلي، وقد وُصف تأثيرها بأنه مثل حجر ألقي في بحيرة راكدة. واعترف الكتّاب والناشرون بتأثيرها الإيجابي الذي لا يقتصر على زيادة الإقبال على قراءة الرواية وكتابتها فحسب، بل يمتد إلى صناعة النشر ومهنية الكتّاب. تقول فلور: تخدم الجائزة القارئ العام عبر تسليط الضوء على عدد معقول من الروايات من بين العشرات من الأعمال المنشورة سنوياً. وقد علّق أحد المرشحين في الدورة الحالية على هذه الظاهرة بقوله: «أسمّي موسم ظهور قائمة الجائزة الطويلة بموسم القراءة». إن الجائزة تسعى إلى إنارة زاوية من الحياة الناس اليومية، حتى لو كانت تلك الزاوية محاطة بظروف مأساوية وبتحديات مجتمعية، مثل محدودية القراءة.
جدل صحي
عن الجدل القائم حول الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، باعتبار أن مسألة الجوائز الأدبية في عالمنا العربي أثارت عدداً كبيراً من التساؤلات والجدليات، سواء على مستوى قيمة هذه الجوائز أم على صعيد صدقيتها وشروطها، منسقة جائزة البوكر ترى أن الجدل صحي في هذه الحالة، إذ لا توجد جائزة أدبية مهمة لا تثير التساؤلات والجدل وهو أمر طبيعي، وقد يزيد من اهتمام القراء بالأعمال الفائزة والتي تصل إلى القائمتين الطويلة والقصيرة. وتضيف قائلة: لا أعتقد أن الجائزة أصبحت من أهم الجوائز العربية بسبب هذا الجدل، والذي جاء نتيجة لثقة القراء والنقاد بنتائج الجائزة عبر السنوات العشر الأخيرة، والدليل إلى ذلك هو انتشار الروايات الفائزة في أنحاء العالم العربي، من المغرب إلى المشرق، والزيادة في مبيعاتها بمجرد وصولها إلى القائمة الطويلة، وترجمة عدد كبير منها إلى لغات أخرى، لتصبح متاحة للقارئ الأجنبي.
تعديل شروط الترشح
أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية (جائزة بوكر العربية) عن تغيير جديد في نظام الترشح اعتباراً من دورة العام 2018، الذي بموجبه يتقدم الناشرون بكتبهم للجائزة وفق آلية للمحاصصة، وهذا يعني في النظام الجديد أن حصة الروايات التي يتقدم بها الناشرون قد تختلف من عام لآخر.
في ضوء ذلك التغيير الذي طرأ على نظام الترشح بعد مرور السنوات العشر الأخيرة تشير فلور مونتانارو إلى أن قرار مجلس أمناء الجائزة بتعديل شروط الترشيح جاء استجابة للزيادة المطردة في أعداد الروايات المقدمة إليها في السنوات العشر الأخيرة، والهدف الأساسي بحسب رأيها هو الحفاظ على مستوى الأداء الذي تسعى الجائزة إليه. وبحسب هذه التعديلات يحق لكل ناشر أن يتقدم برواية واحدة مع مراعاة مكافأة من تصل أعمالهم المرشحة إلى القائمتين الطويلة والقصيرة بعدد أكبر من الترشيحات. معنى هذا أن دار النشر التي تصل رواياتها الى القائمة الطويلة والقصيرة بشكل أكثر تستحق أن تشارك بعدد أكبر من الروايات (اثنتان أو ثلاث أو أربع، حسب المعطيات الخاصة بكل ناشر). لقد طبق هذا النظام في جائزة «المان بوكر» البريطانية وكانت النتيجة مشجعة.
أما عن النظام المطبق حالياً والمنصوص بالبند الآتي: «سيبقى للمحكمين، علاوة على الحصص المقررة، الحق في استدعاء أي رواية للمنافسة على الجائزة لا يكون قد تم التقدم بها من ناشرها، إن رأوها جديرة بالفوز». نتساءل عن إمكانية التسليم بتدخل المحكمين واستدعائهم لرواية لائقة بالجائزة خارج حيز الروايات المشاركة. فتجيب منسقة الجائزة مؤكدة أن هذا الشرط ليس بالجديد، بل كان ضمن شروط الترشيح منذ دورة العام 2012، وهو اعتراف من قبل الجائزة بأنه قد توجد روايات جديرة بالقراءة والاهتمام لا تصل إلى الجائزة لأسباب مختلفة، منها حصة الناشر المحدودة. أما مسألة نوعية الترشيحات، فهناك تفاوت في المستوى الفني، نظراً إلى العدد الهائل من الأعمال المقدمة، وقد لفت أعضاء اللجنة في ما مضى إلى عدم وجود محررين محترفين في أغلبية دور النشر العربية، الأمر الذي يؤدي إلى وجود أخطاء لغوية فادحة لا تليق ببعض الأعمال التي لولاها، لربما كانت قد وصلت إلى مراحل الجائزة الأخيرة.
اللجنة ومجلس الأمناء
بات متعارفاً أن لجان التحكيم في «جائزة بوكر العربية» تتغير في كل عام، ثمة من يرى في هذا التغيير أنه بلا جدوى؛ باعتبار أن مجالس الأمناء أو مجالس إدارات الجوائز ثابتة، حيث إن هذه المجالس لا تصوّت على الأعمال، لكنها قد تختار لجنة التحكيم التي ستخرج بنتائج تُرضي المجلس ولا تحرجه مع مطلق الجائزة.
فلور مونتانارو لا تتفق تماماً مع هذا الرأي الاعتباطي، ولا تجد له أي أثر في عمل الجائزة. وتؤكد قائلة: يوجد مجلس أمناء واحد وليس مجالس، يتكون من نحو 14 عضواً ويتغير بعض أفراده، وإن لم يكن التغيير سنوياً. أمامنا الآن عشر سنوات من الخبرة والتجربة، واللجان التي اختارها المجلس تعبر عن تنوع شديد ولا يمكن أن توصف بأنها تندرج في صفة معينة، ومن تلك الصفة يمكن استنتاج أن اختيارها تم لإرضاء المجلس. هناك اختيارات من قبل بعض اللجان كانت في اتجاهات متعارضة تماماً لاختيارات لجان أخرى. بالنسبة لنا أهم نقطة هي أن اللجان تعمل بكامل الاستقلالية بعد تعيينها، وقد لا ترضي اختياراتها الأمناء، كما أنها لن ترضي كل القراء والنقاد، لأننا نتحدث عن الرواية وليس الرياضيات. ومن ينظر إلى الروايات الفائزة، يرى أنها تناولت مواضيع عديدة بأساليب متنوعة ولم تخضع للرقابة.
الرواية الإماراتية والبوكر
عبر رواية «غرفة واحدة لا تكفي»، دخل الروائي الإماراتي ضمن القائمة الطويلة للروايات المرشّحة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2017، ويعتبر العميمي أول إماراتي يصل إلى قائمة «بوكر العرب»، تُرى هل الرواية الإماراتية باتت جديرة بدخول ساحة المنافسة والوصول إلى الواقع المبشر؟ أم أن الوقت ما زال مبكراً؟
حول هذا التنبؤ تجيبنا فلور منسقة الجائزة بكل تواضع قائلة: لست بناقد أدبي لأصدر أحكاماً على أحوال الرواية الإماراتية بشكل عام، وليس دور الجائزة أن تفعل ذلك. تقيّم لجنة التحكيم الأعمال المقدمة لها في تلك الدورة وليس أعمال الكتاب كلها. ولكن من الملحوظ أن الاهتمام بكتابة الرواية في الإمارات يزداد سنة وراء سنة، وتُعقد ندوات وورش محلية من أجل تصقيل المواهب الجديدة وهذا أمر مبشر. وفي عامي 2015 و2017، تقدم للجائزة أكبر عدد من الروائيين الإماراتيين منذ انطلاق الجائزة، ولا بد أنه مؤشر إلى طموحات جيل جديد من الكتاب الإماراتيين.
فلور مونتانارو