يحتل الكاتب الإماراتي عبد الحميد أحمد مكانة إبداعية رفيعة داخل الدولة وفي الخليج وعلى مستوى العالم العربي، من خلال أعماله القصصية التي وجدت صدى كبيراً ومميزاً، فهو من رواد ذلك الفن السردي الذي يعتمد بصورة كبيرة على ذخيرة من الثقافة والمعارف والأفكار، وهو الأمر الذي برع فيه الكاتب وبات واحداً من الأسماء البارزة في المشهد الثقافي الإماراتي، وكان ذلك نتاج مسيرة طويلة مع الكتابة منذ بداية السبعينات، استطاع عبرها أن يصنع لنفسه مساحة متفردة وتقنية أسلوبية خاصة عرف بها، تنعكس على أعماله الكثيرة والمتنوعة موضوعاً ومحتوى، وتلك المهارة الناتجة عن الخبرة الطويلة جعلته في مقدمة كتاب القصة القصيرة بلونية إبداعية متفردة.
ولد عبد الحميد أحمد عام 1957 في دبي، في منطقة جميرا العريقة، وبدأت علاقته بالإبداع باكراً. ففي أحد الأيام خلال المرحلة الابتدائية، كتب مقالاً في مادة التعبير، وما إن اطلع عليه مدرس اللغة العربية حتى رفع رأسه، وكانت عيناه تلمع دهشة وإعجاباً بما قرأ، وتساءل: هل هذه كتابة طالب في هذه الصفوف الأولى من الدراسة؟ وبصوت وملامح تظهر فيها علامة الرضى، قال: أين عبد الحميد أحمد؟ كان عبد الحميد يجلس بين زملائه، وقد تلونت ملامحه بمزيج من الخوف والفرح والارتباك، لكن ما إن سمع كلام المدرس الذي يشيد به وبمقاله، حتى استقرت ملامح الفرح على وجهه، وشعر بحماسة بالغة دفعته لاحقاً إلى مواصلة الكتابة بعزم ونشاط وهمة عالية. فقد أدرك في تلك اللحظة أنه يمتلك الموهبة الإبداعية، وكانت لإشادة معلّمه تلك، مفعول السحر في نفسه، ما أهله إلى ممارسة فعل الكتابة القصصية بصورة جادة، وصار يرسل نصوصه إلى الصحف والمجلات، فكان أن نشرت له صحف «أخبار دبي» و«مجلة الأهالي»، ليستمر ذلك التوهج حتى يومنا هذا، ولعل أكثر ما يميز تجربته أنه على الرغم من نجاحه الكبير وبروز اسمه وتوهّجه في المشهد الثقافي الإماراتي، فإنه كان شديد الحرص على ألا يُخرج أي نص من نصوصه إلا بعد أن يجوّده بصورة كاملة.
أسلوب
عُرف عن عبد الحميد أحمد اعتماده تقنيات سردية مختلفة ولغة رفيعة، ومقدرة على اختزال القضايا والمواضيع التي يحسن اختيارها، في نص قصير، لكنه حافل بالمعاني ومحتشد بالرؤى والأفكار؛ إذ ينهض النص القصصي برافعة الموقف الفلسفي المتأمل في الحياة والوجود والواقع الاجتماعي.
فقد برزت مقدرته على تناول الواقع في أشكاله وصوره المتباينة، ونرى في نصوصه حيوات متعددة ومشاعر متنوعة، فهناك الفقر والألم والموت وعالم البسطاء الذين دافع عنهم الكاتب، وحملت أعماله رؤية نقدية تناول فيها الزيف الاجتماعي وكثيراً من العادات والتقاليد؛ الأمر الذي وشح نصوصه بنوع من الأيديولوجيا، خاصة حين أطلّ على عوالم الفقر والتهميش الاجتماعي، فنرى شخصياته تتجول في قصصه وتتسم بالبساطة والعمق، كما يتجه دائماً نحو الإنسان حيثما كان.
أما الوطن فيحضر عنده بصور مختلفة، فهو يرصد لحظات التحول الاجتماعي في الإمارات، إلى جانب قضايا وطنية أخرى وقومية. فالكاتب شديد الاهتمام بالأفقين المحلي والعربي، إلى جانب اتجاهه أحياناً نحو الغرائبيات و«الفنتازيا» مع مسحة شعرية تغلف الكثير من أعماله، وإمكانيات مهولة في تطويع المفردة وتوظيفها في صناعة الصور والمشاهد القصصية التي تأتي بصورة مقتضبة ليكمل القارئ مشهديّتها بالسؤال والتأمل، غير أن المتلقي سيجد المتعة الكافية في تلك الفضاءات والعوالم التي أجاد صناعتها الكاتب.
صور ومشاهد
ونجد أن العديد من النقاد في الإمارات والعالم العربي قد اتفقوا على براعة عبد الحميد أحمد، وتفرّده في صناعة الصور والمشاهد وحبك الأفكار واتجاهه نحو الواقع ورصد تفاصيله، والتقاط المواقف والتفاصيل الصغيرة، فهو ينتمي إلى الواقع والحداثة معاً، وتشكّل نصوصه فضاء للتعمق في كثير من القضايا بإبداعية تثير الجدل والأسئلة. وهناك من النقاد من شبّهه برائد القصة القصيرة الروسي أنطوان تشيخوف من حيث التكثيف الاجتماعي، كما شُبّه بيوسف إدريس، والروائي نجيب محفوظ، وكل ذلك يدل على المكانة الرفيعة التي وصل إليها في عالم السرد، وتشهد لها أعماله القصصية المتميزة ومنها: «السباحة في عيني خليج يتوحش» الصادرة عام 1982، و«البيدار» عام 1984، و«على حافة النهار» عام 1992، تلك اللوحات البديعة الحافلة بالمتعة والرؤى الفكرية.
غير أن الكاتب لم يتوقف فقط عند محطة الكتابة القصصية؛ بل له العديد من الأعمال ذات الطابع المتأمل والساخر أحياناً من واقع تجربته الصحفية والأدبية، ومن تلك الكتب: «مع الناس»، و«النظام العالمي الضاحك»، و«الرؤساء عندما يغنّون»، و«جيوب أنفية لإحلال السلام»، وله مؤلفات حول القصة القصيرة والرواية في الإمارات.قلم ساخر التجربة الصحفية عند عبد الحميد أحمد، لها أهميتها الإبداعية لكونها معطرة بأسلوبه القصصي والسردي، وقد اقتحم هذا المجال باكراً. ففي عام 1979 دخل إلى عالم الصحافة محرراً، ثم مديراً للتحرير في «الأزمنة العربية» في الشارقة، ثم انتقل إلى جريدة «الاتحاد»، ثم «البيان» ليصبح كاتباً لزاوية ساخرة يطل فيها كل يوم على قرائه، وجدت صدى كبيراً وشهرة واسعة، وصار يعرف باعتباره أحد أمهر الأقلام الساخرة في الدولة، وربما قاد استغراقه في الكتابة الصحفية إلى قلة إنتاجه الأدبي، ولكن ثمة أسباب أخرى وهي قلقه الدائم لإنتاج نصوص متميزة، فاستحق الوصول إلى مكانة متميزة حافلة بالجوائز والتكريمات في مجال القصة، وأيضاً على مستوى الصحافة، وهو يشغل حالياً موقع رئيس تحرير صحيفة «جلف نيوز» وحصد جائزة الصحافة العربية عام 2010.
عبد الحميد أحمد .. كتابة تنحاز إلى الواقع – بقلم علاء الدين محمود
جريدة الخليج