Glogo

أدباء: القصة القصيرة في الإمارات تجديد في المضمون وتجريب بالأساليب

شهدت السنوات الماضية، طفرة على صعيد كتابة القصة القصيرة، وتميزت كتابات الجيل الجديد بسمات جعلته مختلفاً من جوانب معينة عن التجارب التي سبقته، ولكن من دون أن يقطع مع هذه التجارب، واللافت في هذا السياق هو هيمنة إسهامات الكاتبات على الكتاب من الذكور، وهي ظاهرة لافتة تستحق التوقف، فما تفسير هذه الهيمنة أولاً، وما الإضافات التي قدمها الجيل الجديد. هذا ما حاولنا استقصاءه في المحورين مع عدد من الكتاب في المشهد القصصي، إضافة إلى واحد من أبرز النقاد المطلين على هذا المشهد.

نجيبة محمد الرفاعي

في الحديث مع الكاتبة نجيبة محمد الرفاعي، وهي صاحبة خمس مجموعات قصصية منها “قصاصة من ورق”، و”أنفاس الورد”، و”أول خطوة في الحلم”، قالت ضمن المحور الأول “لعل هذا الأمر يعود إلى طبيعة تكوين المرأة الذي يميل إلى الأدبيات والفنون، وقد لاحظت حين كنت أعمل في المجال التربوي إقبال العديد من الطالبات على كتابة الخواطر الأدبية والأشعار وقراءة القصص، وهذا يجعل بعض المهتمات بعد ذلك يتجهن إلى كتابة القصة القصيرة”.

أما فيما يخص المحور الثاني المتعلق بإضافات الجيل الجديد فتقول “نلاحظ أن بعض الكتابات الجديدة أظهرت تمرداً إلى حد ما على النمط التقليدي للقصة القصيرة، كما ظهرت جرأة في معالجة بعض المواضيع كان من المتحرج سابقاً الكتابة عنها مثل الجوانب العاطفية أو الشخصية، كما نلاحظ في بعض القصص طغيان اللغة الشعرية على السرد القصصي، فتتحول القصة وكأنها خواطر شعرية في قالب قصصي، والبعض يميل إلى تكثيف اللغة والميل إلى الرمزية، وإلى ذلك أصبحت بعض الكتابات تركز على الاضطراب الداخلي لشخصيات القصة، أكثر من التركيز على القضايا المجتمعية الخارجية”.

محسن سليمان

وليس بعيداً عن هذه الرؤية ربما، يرى القاص والكاتب المسرحي محسن سليمان صاحب “خلف الستائر المعلقة” أن ما حصل من طفرة في كتابة القصة لدى الكاتبات خصوصا “يعود إلى طبيعة المرأة في تعاملها مع أمور الحياة، وانزوائها على عكس الرجل المشغول دائما، وحيث يندر كتاب القصة من الرجال تتصاعد أسهم المرأة القاصة في الاهتمام بفن القصة القصيرة نتيجة حبها للقراءة والمطالعة، لذلك لا يكاد يمر شهر حتى نسمع عن مجموعة قصصية لكاتبة من الكاتبات، وهذا لا شك مكسب للمشهد السردي وللمكتبة الإماراتية”. وعن أهم إضافات الجيل الجديد يقول إنها “عملية التجريب والاختلاف عما كانت عليه القصة القصيرة وجرأة بعضهم في الدخول إلى عوالم كان من المحرم الحديث عنها في زمن اقتصر القص فيه على البحر والجمل والنخلة، فكتاب الجيل الجديد يكتبون من منظور مختلف محملين بمختلف الثقافات، وذلك نتيجة الانفتاح على العالم “العولمة”، والقراءة في مختلف اللغات والترجمات، ما مكن كتاباتهم من أن تحظى باهتمام النقاد في دولة الإمارات”.

الكاتبة عائشة عبد الله

وتعتبر الكاتبة عائشة عبد الله صاحبة المجموعة القصصية “اعتراض، اعتراف، رجل” الصادرة مؤخراً عن منشورات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، أن من أسباب التفوق العددي للكاتبات على الكتاب ما “يعود بصورة كبيرة إلى التزام الرجل بعمل ما لا يمت إلى الأدب بأي صلة، حيث يأخذ منه هذا العمل حيزا كبيرا من وقته وتفكيره، أما المرأة فكان أمامها مجال أكبر للإبداع لأسباب منها أولا معظم النساء يعملن في التدريس الذي سمح بتفتق عقولهن وأقلامهن، وثانيا أن التفرغ للأولاد في المنزل أعطى المرأة مجالا أوسع للقراءة والكتابة، وثالثا فالحرية المتاحة للرجل للتعبير عما يجول في نفسه في المجالس أكبر مما هو متاح للمرأة ولذلك وجدت المرأة في الكتابة متنفسا وسلاحا للدفاع عن نفسها”.

الدكتور صالح هويدي

 

وبخصوص بعض ما ميز الكتاب الجدد تقول عائشة “إذا نظرت إلى كتابات من سبقونا تجدها مرتبطة بالمحلية والحنين للنخلة والبحر وسواها من الثيمات، أما جيل اليوم فقد كان ارتباطهم بالبحر والنخلة مثلا يرتبط بما يجري حولنا من أحداث عصرنا، حيث يجري إسقاط هذه الأحداث والتغيرات التي سادت في فترة وجيزة كأنها خارجة من حلمهم”. ولمعرفة رأي النقد في هذه الظاهرة تحدثنا إلى الناقد الدكتور صالح هويدي الذي رأى أن “مظاهر التحول في المنجز القصصي الإماراتي تعود في رأينا إلى ظهور عدد من الأصوات القصصية، جلها من كاتبات القصة، ليس بينهم سوى قاص أو قاصين من الكتاب الشباب، أذكر منهم القاص محسن سليمان. وهو ما يعقد لواء التجديد للصوت النسائي في هذا الفن السردي الذي كان للمرأة فيه حضور واضح للمرأة منذ بواكير مسيرة القصة القصيرة”.

وحول أبرز ملامح التحول في مسيرة القصة الجديدة، يقول هويدي إنها تتمثل في “خروجها من انشغالاتها المحلية التي ظلت حتى وقت قريب ملتصقة بها، متوقفة أمام لوحة العلاقات الاجتماعية ومفردات الواقع وهمومه، إلى حيث التوسع في معالجة القضايا الكبرى وامتلاك رؤية ما تجاهها، إذ قلما تجاوز القصاصون ذلك، كالموقف من الحياة والوجود ونمطية صورة المرأة التي كرسها السرد القصصي السابق، والدعوة إلى تحرير إرادتها وتحرير الذات الإنسانية عامة، ما أكسب الشخصيات ملامح جدلية مع الواقع الذي تعيشه”. أما الملمح المميز لسرد المرحلة الجديدة فهو حسب هويدي “الانطلاق من الذات القصصية، بخصوصيتها وذاتيتها، بلواعجها وأحلامها وآلامها، بعد أن كان القصاصون السابقون عليها ينطلقون من رؤية نمطية ووعي جمعي أقرب ما يكون إلى المشترك العام.

وهو وعي صاحبه موقف نقدي للذات، وإعادة النظر في مواقفها ورؤيتها، وما تنطوي عليه من قناعات وميزات، انعكست على السرد الجديد، في شكل انتقال بالوعي من الهموم المحلية إلى الانطلاق من منظور كوني بعيد عن حمولة الألوان والتمايزات التي يمكن أن تثقل أرواحنا وتحول دون الكشف عن الجوهر الإنساني للمرء. إنه منطلق المزاوجة بين ما هو محلي وعالمي في آن”. وتوقف الناقد هويدي باختصار أخيرا عند مستوى اللغة السردية في القصص الجديدة قائلاً “لقد شهدنا ظهور لغة سردية جديدة عما ألفناه لدى معظم كتاب القصة السابقين، لغة ذات جماليات سرد خاصة، تتمتع بانسيابية واسترسال عفوي جعلها أقرب في تلقائيتها إلى لغة الحياة البسيطة، وبعيدة عن التفاصح أو الاهتمام المفرط بها، بوصفها غاية أو التفريط بنظامها اللغوي”. جرأة بعض الكتابات الجديدة أظهرت تمرداً إلى حد ما على النمط التقليدي للقصة القصيرة، كما ظهرت جرأة في معالجة بعض المواضيع كان من المتحرج سابقاً الكتابة عنها مثل الجوانب العاطفية أو الشخصية.

جريدة الاتحاد