في زمان ليس ببعيد عن زماننا كان ما كان..
كان في مدينتنا ( دبي ) رجل فقير ، يعيش على الخبز والماء سعيداً أكثر من ملك ، لأنه يأكل من عرق جبينه ، فلا يسأل الناس مالاً أو عطفاً . اعتاد الرجل منذ صغره أن يأكل طعامه على شاطئ البحر ،٠ فكـان كـل صبـاح يتوكأ على عصاه ، ويحث الخطى إلى الشاطئ القريـب ، وهـو يعنـي أناشيد الصيـادين ومواويلهم ، فقد كان الرجل بحاراً ، يعرف البحر هادئا وهائجاً ، ويعرف أسراره وأخطاره.
من بعيد..
مـن بعيـدٍ تسمع الأسماك صوته ، ومـن الأعماق ترى وجهه الصبوح ، فتهرع إليه سربا فسربا ، وتتراقص أمام عينيه بهجة وسروراً .
كان يقطع الرغيف نصفين نصفاً له ، ونصفا للأسماك ، وكان يحذرها من شباك الصيادين و(قراقيرهم ) ، ويحبب إليها العمل والتعاون ،فكانت الأسماك تتراقص أمام عينيه ، وكأنها في عرس حقیقی .
ذات ليلة هبت عاصفة قوية ، اقتلعت الأشجار ،وهدمت البيوت ، وأجفلت العصافير ، فهربت إلى بلاد بعيدة بعيدة ، وعلى صوت الرعد استيقظ الرجل الفقير مذعوراً خائفا ، وعلى وميض البرق رأى بيته……
ركاماً من الأحجار والأخشاب ، فجلس على حجر يسبح الله ، ويحمده في السراء والضراء كعادتـه ذهـب
الرجل إلى البحر باكراً، فوجده حزيناً متعباً ، أحزنه ما أحدثته العاصفـة مـن خـرائب في المدينة ، وأتعبـه مـا تكسر على شواطئه من أمواج كثيرة بکی الرجل ، بكى على حالـه وحـال صديقه البحر ، حتى وصلت دموعـه السـاخنة إلى أعمـاق البحر ، فاستيقظت الأسماك مـن نومها ، وهبت إلى مواساته ونجدته .. وبينمـا كـان الرجـل يمسح دموعه بهرت عينيه سمكة غريبة ، لم يرهـا مـن قبـل إلا في الحكايات والأساطير، فلا هي من ( البياح ) ولا من هي (الصافي )، ولا هي من الإنس ولا من الجن . عَـرَكَ عينيه جيداً ، وأمعن النظر في جسمها العجيب ، فلم ير إلا نصـف امرأة ونصـف سمكة ، تحمـل على كتفها ( دامجانة ) كبيرة من اللآلئ ، تعاونت الأسماك على جمعها من أصداف البحر وأعماقه قالت له عروس البحر ، وهي تبتسم. ” هذه دموعك استحالت في البحر دررا ولآلئ” سألها الرجل ، والدهشة تملأ عينيه ..
” ماذا أفعل بهذه الثروة الكبيرة من اللؤلؤ ؟ ! “
قالت له عروس البحر ، وهي تتمايل ، وتضحك ابن بيتاً جديداً هنا على الشاطئ ، حتى تكون قريباً منا ، نستمتع بغنائك الجميـل ، ونسـتأنس بوجـهك الصبوح . اشتر لنا خبزا وحلوى ، وسننتظرك هنا كل صباح “.
حمل الرجل (دامجانة ) اللؤلؤ على ظهره شاكراً لعروس البحر هديتها الثمينة ، وعاد إلى بيتـه فرحاً مسرورا . جمع الرجل أهل المدينة ، ووزع على كل فقير منهم لؤلؤه، حتى نفذت اللآلئ، ونهضت البيوت وارتفعت الرؤوس. في الصباح .. في كل صباح كان الرجل يستيقظ من نومه، فلا يذكر من أحلامه الجميلة إلا عروس البحر.
*فازت هذه القصة بالجائزة الأولى في مسابقة الأنشطة المدرسية التي أقامتها وزارة التربية والتعليم والشباب للعام الدراسي 97/98 على مستوى الدولة.
الحلم الجميل