عبد الفتاح صبري

مقاربة إماراتية في القصة القصيرة – حسين درويش

فن سردي حلق بأجنحة الواقع في عالم الكتابة الأدبية

 

مقاربة إماراتية في القصة القصيرة

 

حقبة الثمانينيات من القرن الماضي رسخت

الظهور الفعلي للقصص القصيرة في الإمارات

 

عدد من الكتاب اتجه إلى الصحافة أو توقفوا

 عن متابعة مسيرتهم الأدبية لظروف مختلفة

 

القصة القصيرة هي أم السرد الإماراتي ويشهد

على ذلك تراثها الاجتماعي منذ بواكير تجاربها

 

 تعود بدايات نشأة القصة القصيرة في الإمارات إلى حقبة السبعينات، ومن المتفق عليه أن أول من كتب القصة القصيرة في الإمارات هي الأديبة شيخة الناخي، التي نشرت قصتها الأولى (الرحيل) عام 1970، أما أول مجموعة قصصية صدرت فكانت لعبدالله صقر بعنوان (الخشبة) عام 1974 في دبي، وقصة (ذكريات وأماني) لحاج مظفر عام 1971.

وأيضا قصة (ضحية الطمع) لعلي عبيد علي عام 1972، وقصة (يوميات موظف صغير) لعبد العزيز الخليل عام 1974، ومجموعة (الشقاء) لعلي عبدالعزيز الشرهان التي تناول فيها مرحلة ما قبل قيام الاتحاد، وعبدالحميد أحمد بمجموعته الأولى (السباحة في عيني خليج يتوحش) عام 1982.

 

وكذلك محمد ماجد السويدي، ورضا السجواني الذي نشر مجموعته الأولى (ذلك الزمان) عام 1978، ومحمد المر الذي نشر أول مجموعة قصصية له عام 1982 بعنوان (حب من نوع آخر). ونشر هؤلاء منتجهم في المجلات ونشرات الأندية الرياضية، كـ «الأهلي» و«الزمالك» و«الشباب»، إلى جانب «أخبار دبي».

وبذلك تعد حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، الظهور الفعلي لبواكير القصص القصيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وترافق ذلك مع العديد من الصحف والمجلات.

 

نتاج محلي

ومن خلال هذه الكوكبة من الأدباء شهدت الإمارات زخماً ثقافيا في مختلف جوانب الأدب والإبداع، وبدأت هذه الحركة الثقافية بالتحول من تلقي نتاجات الآخرين، إلى تقديم نتاجها المحلي الإماراتي. ونظراً لكون القصة هي في بداية نشأتها آنذاك، فقد كانت على صعيد المضمون أقرب إلى الخواطر الأدبية المشحونة بالعاطفة، وعلى الصعيد التقني في حالة البحث عن صيغ فنية ترتكز عليها

ازدهرت في الثمانينات من القرن الماضي القصة القصيرة الإماراتية على يد عدد كبير من الكتاب، ونُشرت في الصحف والمجلات التي زاد عددها آنذاك. وتابع هذا الجيل العمل على تطوير البنية الفنية للقصة.

وفي مقدمتهم: ناصر جبران، ناصر الظاهري، سلمى مطر سيف، أمينة بو شهاب، سارة النواف، باسمة يونس. وسرعان ما لحق بهؤلاء الكتاب مجموعة جديدة، مثل: مريم جمعة فرج وسعاد العريمي وجمعة الفيروز.

تمحورت طروحات هذين الجيلين حول قضايا محلية مرتبطة بالمجتمع، كعلاقة الإنسان بالبحر في شخصية النوخذا، والنخل في شخصية المزارع، والبيئة في منظومة القيم، وذلك مع رصدٍ للتغيرات التي طرأت على المجتمع بعد النفط، كالعمالة الوافدة، والزواج من أجنبيات، ومشكلات اجتماعية أخرى.

وجدير بالذكر هنا أن عدداً كبيراً من هؤلاء الكتاب توقفوا عن متابعة مسيرتهم الأدبية لأسباب عدة، منها: ظروف دراسية وسفر، بعضهم اتجه إلى العمل الصحافي أو المهني. وكادت القصة القصيرة الإماراتية أن تدخل في حالة سبات لولا قصص من هنا أخرى من هناك.

غزارة واضحة

منتصف التسعينيات انتعشت القصة، حيث ظهر جيل جديد من الكتاب والكاتبات الذين تميزوا بغزارة النتاج. وحافظ هذا الجيل على النهج الفني الذي أسسه من سبقهم. وأما على صعيد المضمون فتجلى تفاعلهم مع المتغيرات الجديدة من خلال الحنين إلى الماضي والزمن الغابر. ومن هؤلاء الكتاب: أسماء الزرعوني، ابتسام المعلا، سارة الجروان، فاطمة محمد، حارب الظاهري.

ويرتبط ازدهار القصة في هذه المرحلة بإحصائيات المطبوعات الصادرة في دولة الإمارات عام 1998، حيث بلغ عدد الصحف اليومية ثماني صحف، وعدد المجلات الأسبوعية والشهرية، مئة وثلاثين مجلة، في حين بلغ عدد المكتبات العامة 45 مكتبة.

أسماء جديدة

برزت مع الألفية الجديدة، أسماء عدد كبير من الكاتبات والكتاب الذين أضافوا بعداً جديداً للقصة الإماراتية، حيث خرجوا من عباءة الأجيال السابقة، ليتعمقوا في ظل التغيرات ذات الإيقاع السريع على مختلف الأصعدة في بنية علاقة الإنسان بذاته وبالآخر، وأيضاً بالمجتمع، في ظل شتى التحولات وخروجه من حدود المحلية إلى العولمة، علاوة على سيطرة مفهوم الاستهلاك على حساب القيم الإنسانية، حيث بات هاجس الخلاص الفردي يهيمن على المنظومة العامة. ومن أبرز الكتاب الإماراتيين من الجيل المعاصر:

نعيمة المري، حسنة الحوسني، نجيبة الرفاعي، عبدالرحيم حسن عبدالرحيم، عائشة الزعابي، فهد الفلاسي، عائشة عبدالله محمد، فاطمة عبدالله، ريا مهنا، محسن سليمان، خالد الجابري، مريم المري، أحمد أميري، فاطمة الكعبي، صالح كرامة، منى سالم السويدي، أسماء محمد الكتبي، أسرار المنهالي، غادة الكيلاني، علي أحمد الحميري والعديد غيرهم.

 وسعى أغلب كتاب الجيل المعاصر إلى كسر قواعد بنية القصية القصيرة، لتأخذ، إما نمطاً عشوائيا، أو تخلو من الحدث أو الربط الزمني أو الحبكة، وذلك بهدف البحث عن أنماط جديدة، أو ترجمة إيقاع تحولات العصر الحديث في زمن قياسي فرض على الغالبية، محاولة ترجمة هذه الإشكالية وانعكاساتها على الفرد.

نقاد وشهادات

قدم النقاد والباحثون المتتبعون لحركة مسيرة الأدب والقصة في الإمارات، الكثير من الدراسات النقدية، وذلك في إطار الملتقيات الأدبية أو الندوات والكتابات النقدية التي وثقت هذا الجانب، ضمن العديد من الكتب المرجعية. وأفادوا بأن الأصوات النسائية الجديدة وضعت المرأة التي تشكل نصف المجتمع، والتي لا يزال دورها مهمشاً، تحت دائرة الضوء. ومن النقاد الذين تناولوا التجربة عبر كتب أو عبر ندوات: عزت عمر ـ صالح هويدي ـ إسلام أبوشكير ـ عبد الفتاح صبري وغيرهم..

ولخص النقاد في دراساتهم خلال ندوات وملتقيات القصة، المحاور الرئيسية التي تناولها الكتاب الجدد في قصصهم، التغيرات الاجتماعية والنظرة الحنينية إلى الماضي فضلاً عن قصص تقليدية عن الحب والعلاقات الاجتماعية أو المرأة والبعد المهني أو الأُسري.

وعلى صعيد العلاقة بين الرجل والمرأة في القصة القصيرة، يرى الناقد الدكتور صالح الهويدي في دراسة له في هذا الجانب، من خلال المجموعة القصصية (مواء امرأة) للقاصة فاطمة الكعبي؛ التي تعتبر إصدارها الأول، «أن المحصلة الطبيعية للإكراهات الاجتماعية التي تتعرض لها المرأة في المجموعة، تتجلى في شكل عقد تتفاوت حدة واستحكاماً تبعاً لشخصيات القصص، من حالات الارتياب، إلى الخوف والتوجس الدائم، إلى الزهو بقلعتها العصية على عالم الرجل».

من جهته قال الناقد الـــدكتور رسول محــمد رسول: «إن القصة القصيرة هي أم السرد الإماراتي، يشهد على ذلك تراثها منذ تجارب ريادية لها، لا سيما شيخة مبارك الناخي، التي جعلت من كتابة القصَّة مشروعاً إبداعياً لها، وهو ما أكَّده استمرار الكتابة فيها رغم التحديات المجتمعية التي كانت تواجهها في مطلع سبعينيات القرن العشرين، فضلاً عن عبد الله صقر، ومحمد المر، وجمعة الفيروز، وعلي أبو الريش، وتالياً ناصر الظاهري، وفاطمة حمد المزروعي، وحارب الظاهري، وعائشة عبد الله الكعبي، وصالح كرامة، ومنى عبد القادر العلي، وفاطمة النّاهض، وفاطمة سلطان المزروعي، وعائشة عبد الله محمَّد علي، ومريم هلال الساعدي، ومحسن سليمان حسن، وغير هؤلاء المبدعين الإماراتيين الذي أكّدوا حرصهم على بناء المشهد القصصي في الإمارات، ولذلك وجدت مشهداً قصصياً إماراتياً ثرياً، وأقبلت على دراسة بعض نصوصه القصصية في كتابي (العلامة والتواصل) الذي صدر في الشارقة في سنة 2011». وأضاف: «حتى الآن لم تنقرض القصة القصيرة رغم شيوع ظاهرة الكتابة الروائية في الإمارات، وظهور عشرات الأسماء في هذا المجال، وأرى أن القصة القصيرة في الإمارات لا زالت نابضة بالعطاء، وما زالت الكتابة فيها محببة لدى القاصين الإماراتيين، وهناك أصوات جديدة فيها تحث خطاها في سبيل بناء مشهد القصة القصيرة في الأدب الإماراتي.

تجربة البيان (قصة الأسبوع)

في أواخر التسعينيات من القرن الماضي أطلقت صحيفة “البيان” مشروعها المميز (قصة الأسبوع)، والذي نشر مئات القصص العربية أو المترجمة لكبار الكتاب حيث كانت تُنشر القصة على صفحة كاملة أو صفحتين إذا كانت قصة طويلة، يرافقها رسم تعبيري بريشة فنانين معروفين وقد استمر هذا المشروع حوالي عشر سنوات، وخلال تلك الفترة نُشرت أعمال قصصية لأدباء معروفين في فن القصة أمثال عبد السلام العجيلي، حنا مينا، جمال الغيطاني، نيروز مالك، فيصل خرتش، رضا البهات، زهراء حسن، خطيب بدلة، وغيرهم كما نُشرت قصص مترجمة لكتاب أمثال غابرييل غارسيا ماركيز وياسوناري كواباتا و ايميليان ستانيف و خوان انتونيو بونتي، وغيرهم ، وكان يتم اختيار القصص من قبل لجنة متخصصة بينهم القاص محمد المر وعبد الحميد أحمد والرشيد بو شعير وحسين درويش، وقد تحول مشروع القصة في البيان إلى مجموعات قصصية صدرت بكتابين الأول بعنوان “خيوط ملونة” وضم العشرات من القصص العربية المختارة، والثاني حمل عنوان “شرفات وأزاهير” وكان مخصصاً للقصص المترجمة.

كان الهدف من هذا المشروع هو إعادة إحياء فن القصة القصيرة، بعدما بدأ يتراجع على الساحة العربية وخاصة أن الصحافة كانت المكان الرحب لنشر القصص والإعلان عن ولادة القصاصين من خلال نشر قصة في تلك المجلات المعرفة مثل الآداب والأديب والرسالة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

برامج تدريبية

 مع انطلاقة برنامج دبي الدول للكتابة الذي يعد واحداً من أبرز مشاريع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة التي تعمل على تدريب الكتاب الشباب وصقل تجاربهم الإبداعية، قدم البرنامج (ورشة القصة القصيرة) التي استمرت أربعة أشهر وأسفرت عن أسماء جيدة وجديدة في القصة الإماراتية، وشكلت إضافة واضحة للمشهد القصصي الإماراتي، وتكررت التجربة لترفد الساحة بمجموعة من الأسماء الشابة المحبة لهذا الفن.

في شهادته عن هذه التجربة يقول المدرب إسلام أبو شكير (ناقد وقاص) :

ما يميز برنامج دبي الدولي للكتابة التي ترعاه مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة عن البرامج المشابهة هو الاشتغال الهادئ طويل الأمد الذي يحرص على إعطاء الفرصة للمتدربين، لا للتعرف إلى المهارات الضرورية للكتابة فقط، بل لتمثّلها أيضاً، أي ممارستها والاعتياد عليها، بحيث تتحول إلى جزء أصيل ومتجذّر في التجربة.

 

إن امتداد كل ورشة تدريبية على مساحة زمنية لا تقلّ عن أربعة أشهر (وهي عملياً تمتد إلى ستة أشهر تقريباً)، مع ما يتخللها من أنشطة وفعاليات وتجارب ومراجعات؛ كل ذلك يعطي الورشة طابعاً جدياً، ويكسب المتدرب خبرةً يتكامل فيها الجانب العمليّ مع النظريّ بما يسهم في تسريع عملية إنضاج التجربة وبلورتها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بفنٍّ صعبٍ كالقصة القصيرة، تكثر الأوهام حوله، ويشكو الشباب الراغبون في استكشاف عوالمه من خلط بينه وبين فنون أخرى قريبة أو بعيدة، كالرواية، والحكاية، والخبر، والسيرة، والخاطرة، والقصيدة، وسواها..

وبطبيعة الحال فإن التدريب يتم وفق ضوابط مدروسة، وبناء على أسس علمية واعية وجادّة، لكن ذلك كله يطبّق بعيداً عن أجواء الصرامة والتصلّب التي تقود إلى التعامل مع المتدربين كما لو أنهم كتلة واحدة، فتفرض عليهم جميعاً برنامجاً موحّداً بكل تدرّجاته وتفاصيله ومفرداته. التدريب يراعي هنا الفوارق الفردية بين المتدربين من ميول وأذواق وقناعات وأمزجة، ولعله لهذا الغرض حرص البرنامج على أن تكون أعداد المنتسبين في كل ورشة محدودةً، بما يمنح المدرّب الفرصة لتطبيق ذلك، والتعامل مع كلّ متدرب على حدة، باعتباره تجربة خاصة ومتفردة.

لقد استطاع البرنامج أن يدفع إلى الساحة الأدبية خلال عامين باثني عشر صوتاً جديداً في مجال القصة القصيرة، وبعض هذه الأصوات بدأ يثبت وجوده، مطوراً تجربته، ومنطلقاً إلى ما هو أبعد من مجرد التماس الطريق، ما يعطي مؤشراً على نجاح البرنامج وأهميته، بل ضرورته في المجال الذي يشتغل عليه.