عبدالرضا حسن السجواني

لقاء مع القاص الإماراتي عبدالرضا السجواني

الأستاذ عبدالرضا السجواني من كتاب القصة القصيرة القلائل الذين أخلصوا لها في الإمارات، والمتتبع لمسيرته يلحظ إنتاجه المتلاحق منذ بدايته مع نهاية السبعينات مروراً بفترة الثمانينات ثم التسعينات إلى بدايات الألفية حتى العام 2014، حيث أصدر مجموعته (الأولى والأخيرة) «ذلك الزمان».

اتصلنا به وكعادته يجيب بهدوء وترحيب، وعندما عرفنا رحّب أكثر وأشعرنا بالقبول، طلبناه إلى هذا اللقاء حول شؤون وشجون عشقه الأبدي القصة القصيرة والمشهد الثقافي العام في الإمارات فوافق على الفور.

هو المخلص للقصة القصيرة حتى عندما كبر ونضج فكرياً لم يبتعد كثيراً عنها بل وضع عصارة خبرته بين أنامل غضة إيماناً منه بتبني مشروعات ثقافية تنير فكر الطفل ويتحدث لمجلة «بيت السرد» عن الدافع الذي حركه للكتابة للطفل:

«في فترة التسعينات راودني إحساس بضياع الطفولة في الإمارات – ولم يزل هذا الإحساس يقرصني – وذلك بسبب السلبيات الجمة التي تفرزها أساليب الثقافة الحديثة. فكان تحركي من وازع الغيرة والخوف على أطفال (ديرتنا) من مخالب كل ما هو غريب ومستهجن يبعدهم عن أصالة ديننا وقيمه، وعن عادات مجتمعنا المستمدة من نور هذا الدين. فكان لزاماً عليّ التحرك بعد التفكر. فاتبعت توجهات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقه في إحياء التراث والخوض في تأريخ الإمارات والبيئة التليدة بمعطياتها الإنسانية والتوعوية، مساهمة مني في إنقاذ هذه الطفولة ولو بقدر ربع خطوة. ولولا ما ألم بي من إحباط وتحطم للنيل المقصود والمتعمد لي ولإنتاجي الإنساني لقدمت الكثير للأطفال والناشئة وغيرهم من أعمال إبداعية. إذ توقفت عن الإصدار منذ عام2002  الذي أصدرت إبانه :* «أشرعة الليل – وهتاف الشمس» مجموعتان قصصيتان  * 3 إصدارات من قصص الأطفال لأتوقف حتى عام 2011 ببادرة من سيدين الأول من ثقافية الشارقه والآخر من القسم الثقافي بصحيفة الخليج. اللذين مهدا لي عودة جادة وحميدة. وسيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا أنني خير من تسعى به قدم».

 وحول منطقة «المريجة» الأثرية يعود بنا إلى طفولته أيضاً، حيث ولد ونشأ فيقول: «نشأتي في حي «المريجة» مهدتني لأن أغترف من معين أصالتها والمتمثل في تراثها الثري والغني بالكثير من الحوادث الهامة والأخبار والحكايات ذات المدلول الإنساني. والتفاعل والعيش مع مختلف الشخصيات التي شكلت أوجه المجتمع المختلفة، والتي رسمت لي بعدئذ الخطوط العريضة لعالمي القصصي. ومن حيث أدري ولا أدري وجدتني أصاحب تلك الأوراق المحدودة التي يتقدمها غلاف بهي أبقى متمتعاً فيه لحظات طويلة، والذي يسمى قصة للأطفال. كانت تلك أول شعلة في طريق عالم القصة الذي أهم لاختراقه، ولكني لا أمتلك أدوات إشعالها. والسينما غير المسقوفة التي تقع بالقرب من حينا وبقية الأحياء، وكونها متنفسنا الوحيد مساءً بعد رفيقنا البحر. ساهمت وبشكل فاعل على إيقاظ رغبتي في التعبير عن شخوصي التي أعايشها. فسينما وحيدة ومكتبة واحدة فقط قريبة منها. ومدرستي «القاسمية» ومعلمي الزارع في ذواتنا حب فن القصة في أسلوبه الرائع في سرد الحكايات وفنه الحكائي الأخاذ.‎ كل هذا مع شغف يلامس الوجدان لجمالية تأسرني حتى الثمالة لتلك القصص والحكايات التي تقصها أمي وتكررها.‎‏ فيها ما فيها من العظة والحب والخير والجمال، وأبي الذي لا يفارق القرآن والشعر وحفظه القصيدة العمانية من مئة بيت. وأبيات الشعر المخصصة لمولد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته. وكذلك أشعار الأعراس العذبة والمقتطفة من قصائد لشعراء عراقيين في أغلبهم عرفوا بشعر المديح مثل صلي يا رب على شمس الضحى أحمد المختار نور الثقلين، لينتقل إلى قصائد أخرى مطلعها يا ليال الوصال عودي زمانا قبل وقت السحر، اختلقت جراء مجمل تلك الأجواء يعززها المسجد الكبير بمآزرة البحر الذي ألهمنا رؤاه الفذة التي عمقت دورنا بتطلعاتنا نحو حياة ملؤها الوعي والشموخ والتميز».

وحول سؤال تفاعله مع مواقع التواصل الاجتماعي يعترف بأنه مقل في مجاراتها «لأننا أدباء مخضرمين ذاقوا طعم القدم فألفوه واستكانوا له. فهم لا يأنسوا قراءة رواية لنجيب محفوظ عبر التقنيات الحديثة، ولكن أن يقرأنا الآخر فأرى من الأجدر أن نفعل ذلك خاصة في زمن باتت قراءة الكتاب فيه شحيحة. وإن كان لكل شيء وجهان. فلنتغاضى عن الوجه غير المرغوب فيه ونمضي عبر البوابة الواسعة المشرعة بغية المواصلة والتحام مراكبنا بالمرافئ الجديدة، هذا بعد أن قطعت فكرة التواصل الإجتماعي مسيرة لا بأس بها في عملية مواكبة الأدب الجديد والإحاطة به بشكل فاعل للجيل الحالي بالذات، الذي وضع مراسيه جانباً تجاه الإطلاع والقراءة الجادة وإذا ما طاعك الزمان طيعه».

وعبدالرضا السجواني الذي قرأ روايات لفاطمة المزروعي وأسماء الزرعوني وعلي أبو الريش وناصر جبران، له رأي حول سؤالي في (تسيد) الرواية على الساحة الإماراتية ومدى فاعليتها كماً وكيفاً يقول «قد استخدم لفظة (اكتساح) بدلاً من (تسيد). ولكن ذلك فقط إلى حين. فهي موجة توجه ديدنه الإغراق في هذا اللون من الأدب الروائي، والذي كان منذ السبعينات طي النسيان، والقصة القصيرة متربعة على المنابر الثقافية يساندها الشعر. وصدور عشرات الروايات بمضامين اعتيادية مكررة لا تضيف جديداً، وتجدف بعيداً عن قضايانا المصيرية، وما يؤرق أمننا خليجياً وعربياً ثم إسلامياً. ومهد لبروز ظاهرة الكم مجدداً والتي واكبناها بداية الثمانينات على مستوى القصة، والذي كان له الأثر السيء على الكتاب والساحة الثقافية وعلى الأدب الإماراتي خاصة. فالتأريخ يقحم نفسه مكرراً ذات المعاناة. فهل سيتمخض عن نفس النتائج المرجوة؟ كما وإن التهافت نحو الكم دون الاجتهاد والمثابرة الجادة لخلق البني الأساسية لعوالم (الكيف) مصيره النسيان. وكثيراً ما أدى الكم اللا مدروس إلى التأثير سلباً على إيجابيات الكيف من الروايات الجادة التي حققت مبتغاها وحضورها» .

ويستطرد حول تطور القصة القصيرة في الإمارات كونه من مؤسسيها «المتتبع للقصة القصيرة في الإمارات عن كثب يتلمس مدى التطور الذي حققته وعبر كل نواحيها ومضامينها التي تعرضت لمجالات الأمن وأوجه الحياة المختلفة، والجانب الإنساني المغيب لدى الكثير من شرائح هذا المجتمع، جراء هيمنة «المدنية» وانهمار سلبياتها وتغلغلها في العلاقات الإجتماعية وإفراز المشاكل المتعددة التي أبرزت الوجه غير المشرق لمجتمع عريق كالإمارات، مروراً بالتلوث والعمالة الآسيوية الزائدة عن حدها. وكذلك تلك القفزات الجديرة بالاحتفاء على الصعيد التقني المشهود لدى النقاد داخل وخارج الدولة. والذي مهد لظهور فن قصصي أثار إعجاب القراء والدارسين للأدب. وأصبحت هذه القصة التي كانت يوماً في حبو متباطئ – في بدايات السبعينات – أصبحت اليوم تدرس في الجامعات الإماراتية، ولها حضور مشرف في المدارس عبر المناهج كفن راقٍ فرض حضوره، رافعاً راية الفكر والوعي نحو خلق المناخ الصحي المطلوب لمجتمع يتطلع إلى الجديد النافع يضمن خطوات جادة نحو الرقي».

موضحاً في سياق حديثة أن القصة شيء لصيق بذاته ولهذا السبب لم يتركها «كتابتي لها ارتواء وتنفس يمهد لشعور خاص أتشربه، فيقيني ويلات الكآبة والرغبة في الخلاص. لأنني أعانق آفاقاً إنسانية رحبة، فآخذها في صدري قريباً من قلبي بل ملأ قلبي بنياطه، أنصهر في شخوص تتلظى بمعاناتها في يم عذاباتها، علّني انتشلها برحيق قلمي، فتراني استشف بلسم جراحاتي بذلك الإنصهار، وبلسم آلام المستضعفين والتائهين. فبهذا التعلق بكل مكونات القصة أجد نفسي متيماً بها أبادلها الحب منذ الصبا.. قبل أن ينبت شاربي تحت أنفي. فهي علاقة إخلاص بلغ أوجه، وذلك للفترة الطويلة التي صاحبتها فيها، وأنا أمضي مقترباً من عقود خمسة برفقتها  «الحنونة» .

وفي رأية المتواضع إزاء من يتوقف عن القصة أو يتجه لأجناس أخرى كالشعر يقول: «إن هذه الأسماء قد تغيرت بتغير ظروف وأوضاع الزمن والمرحلة الحضارية التي نواكبها خاصة منذ العقدين الأخيرين. وكوني قد عايشت هذه الأسماء وعرفتها عن كثب فإني أتمكن من تحليل هذا التغير إلى حد ما، مفترضاً أن ما أصاب العديد منهم وجه من أوجه الخجل أدى إلى نبذ الاستمرار بهكذا عادة – أعني الكتابة-، وفي مثل هذه الممارسات، كون البعض قد حقق امتيازاً وأستاذية ما في المجتمع. وأن يقال عنه (إنه يكتب قصصاً) هو ضرب من التصغير لشخصيته! والظن أنها نظرة دونية سيقابل بها عند أصحاب المستويات العليا. وربما تطور فن القصة الحديثة وأساليبها المتجددة لا تمكنهم من الإلمام بها واستيعابها. فتولدت لديهم تلك الغربة إزاء ناحية هم قد ألفوها وأحبوها فترة من الزمن ولكن اليوم لا يعرفون ولوجها».

وعن رأيه في كثرة دور النشر في الإمارات إنها «لا تشكل سلبية تحتسب على الثقافة والأدب، إن هي تمتعت بالمعايير المطلوبة ولم تفرز الغث والسمين. وربما تضيف إضافة إيجابية تنهض بالمعرفة بوجه عام، وتقدم الدعم اللازم لدفع دفة الوعي والفكر، فتساهم بذلك في إثراء الحياة الثقافية وتنشيطها».

وما الذي ينقص الحركة الأدبية في الإمارات برأيه؟ يقول: «بعد أن تألق أدب الإمارات ونال الاهتمام الواسع خليجياً وعربياً بات الناقد الجاد والمتمرس (المعيار الحقيقي) هو ما نفتقر له على الساحة الثقافية، الذي من شأنه تقويم الوضع الأدبي في كل مجالاته بعد فترة غير قصيرة من السبات النقدي الجاد. وأن يعطى الأديب حقه في الاهتمام الإعلامي أسوة باللاعب والمغنية ومن أمثالهما، وأن ينال حقوق النشر لأعماله الإبداعية من القائمين على الصحف المحلية كالمجلات الدورية. وأن تكون هناك خطة أفضل للاحتفاء بالكاتب الذي يتقدم بإصدار الكتاب».

وقبل الختام نعيدة إلى حنينه القديم ونباغته بسؤال يحبه وتوقعه منذ البداية ولكننا خذلناه.

ما الذي دفعك إلى الكتابة في قصص الأطفال؟

«في فترة التسعينات راودني إحساس بضياع الطفولة في الإمارات – ولم يزل هذا الإحساس يقرصني – وذلك بسبب السلبيات الجمة التي تفرزها أساليب التقنية الحديثة. فكان تحركي من وازع الغيرة والخوف على أطفال (ديرتنا) من مخالب كل ما هو غريب ومستهجن، يبعدهم عن أصالة ديننا وقيمه، وعن عادات مجتمعنا المستمدة من نور هذا الدين. فكان لزاماً عليّ التحرك بعد التفكر. فاتبعت توجهات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقه في إحياء التراث والخوض في تأريخ الإمارات والبيئة التليدة بمعطياتها الإنسانية والتوعوية، مساهمة مني في إنقاذ هذه الطفولة ولو بقدر ربع خطوة. ولولا ما ألم بي من إحباط وتحطم للنيل المقصود والمتعمد لي ولإنتاجي الإنساني لقدمت الكثير للأطفال والناشئة وغيرهم من أعمال إبداعية. إذ توقفت عن الإصدار منذ عام2002  الذي أصدرت إبانه *: «أشرعة الليل – وهتاف الشمس» مجموعتان قصصيتان  * 3 إصدارات من قصص الأطفال، لأتوقف حتى عام 2011 ببادرة من سيدين الأول من ثقافية الشارقة، والآخر من القسم الثقافي بصحيفة الخليج. اللذان مهدا لي عودة جادة وحميدة. وسيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا أنني خير من تسعى به قدم».

يبقى أن المتصفح لمجموعة «ذلك الزمان» سوف يجد أول قصة كتبها وهي «دموع من الماضي» وعمره 15 عاماً، وأيضاً سيجد آخر قصصه «عبق وهشيم» وكأنه يختصر تاريخه بين دفتي كتاب، ويقول عن هذه التجربة والهدف منها:

  «اتبعت في هذه المجموعة منهجية الشمولية المستوفية، أو الكاملة قدر ما أمكن. فاتبعت اسلوب الإحاطة البانورامية لتجربتي في كتابة القصة – رفيقة دربي – والتي امتدت طوال 44 عاماً من البحث والانصهار، والمتابعة المتواصلة لمجالاتها وشؤونها وكتابها هنا وهناك، وأي حيز هم يعتلون ويحررون. فجاءت قصص المجموعة مذيلة بتأريخ كتابتها لتمكين القارئ والباحث والدارس والمتابع لفن القصة الإماراتية أين يقف صاحب هذه المجموعة القصصية من مضامينها وفنياتها وأي فكر توعوي تحمل على عاتقها. هذا بعد مساحة واسعة من النيل والتهميش والطمس التي خلفت جروحاً غائرة في جدار هذه الموهبة ومساعيها الإنسانية بالتوعوية. وأقولها بحق، كانت بادرة إيجابية تفضل بها القائمون على شؤون النشر بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بتبني هذه المجموعة لإعادة طباعتها وإصدارها، لذا أجد نفسي في غاية الامتنان لهم. فعمدت على استخلاص تجربتي في مسيرتي مع هذا الفن بمنحى سلس، يطرح الأبعاد المطلوبة في قضية سبر أغوار شخصيات المجتمع بالتعبير عن خلجاتها، وإذ هي معايشة لبيئتها القديمة المتسمة بالبساطة وعمق أو تجلي القيم الإنسانية ويقظتها لدى الفرد آنذاك. وتوغلاً في تفاصيل الحياة المدنية التي تمخضت عن الكثير من السلبيات وما هو مستهجن بعيد عن قيم وسماحة ديننا. وأصالة عادات أجدادنا وأبعادها الإنسانية. ففي طيات «ذلك الزمان» القصصية تكمن فلسفة حياة أدبية عانت ما عانت وكابدت كثيراً، تذكر بعض أدباء العرب وربما الغرب أيضاً في عذابات حياتهم نحو هاجس إشعال بعض الشموع الطويلة الأمد للأمكنة المعتمة».

وأخيراً يقول: «متى يُنظر إلى الأديب بعين الاعتبار، ويُنتشل من معاضله وأوضاعه المعيشية والصحية وأموره التي تقض مضجعه، فلا تمكنه من المضي بيسر وهوادة نحو عالم مفعم بالسلام والحب والوئام والكثير من الإنسانية والإخاء والطمأنينة».