ناصر البكر الزعابي

تراث القصة الإماراتية كتاب (كلّنا كلّنا كلّنا نحب البحر) أنموذجاً – بقلم ناصر البكر الزعابي

تعدّ القصة حكاية مشوّقة ذات صيغة أدبية لها قواعد وشروط، وتعبّر عن ثقافات الشعوب وتؤرّخ لأحداث عصرها وترسم عادات وتقاليد كل بلد بأسلوبٍ أدبي مميز، وتطوّرت هذه القصة عبر الأزمان لتكون واحدة من أهم الأجناس الأدبية على الإطلاق فتغدوالهرم الأدبي الثالث إلى جانب الشعر والرواية وهي غير بعيدة عنهما  ، فهناك علاقة وجدانية تجمع الأجناس الثلاثة، بل إن أكثر كتّاب القصة عموماً هم شعراء وروائيون، وفي تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة هناك رموز وقامات ثقافية برعت في كتابة القصة، وحينما صدر كتاب (كّلنا كلّنا كلّنا نحب البحر) عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، في هيئة (مختارات قصصية) لأبرز كتّاب القصة آنذاك، ليصبح هذا الكتاب مرجعاً ثقافياً وتراثياً في آنٍ واحد.

ضمّ الكتاب ستة وعشرين قصة قصيرة، لكل كاتب قصّة بعضهم واصل رحلته الأدبية وبعضهم اكتفى بحضورٍ بسيط، نلاحظ في العنوان الرئيسي التأكيد على عشق البحر عبر تكرار ثلاثي لكلمة (كلّنا) تعبيراً عن ارتباط أبناء الإمارات بالبيئة البحرية وموروثها العريق، فالبحر وجهة الأجداد ويحتل مساحة واسعة في ذاكرة الوطن، وجا ء هذا الإصدار ليؤكد بشكلٍ عميق أهمية البيئة البحرية كرئة إماراتية نحو العالم.

26 قصة:

سنمر سريعاً على القصص ال 26، فالمجال لا يتسع لمزيد من الكلام المستفيض في هذه العجالة من الوقت، وفي هذه المساحة من الورق.

في قصة “هياج” للدكتورة أمينة بو شهاب حكاية (آمنة) وزوجها الثري الذي يغدق عليها  المال ويوفّر لها رفاهية عالية، غير أنها تعيش حيرة وجدانية حول حقيقة زوجها النافذ القوي، وتنتهي قصّتها برمزية الطبيب النفسي. وعلى النقيض في قصة “الاختيار المفاجئ” للأديب الراحل جمعة الفيروز رحمه الله، تتمازج السوريالية مع المشاعر الكامنة في النفس، حول زوجةٍ حبلى تتألم وزوجها الذي اقتيد من بيته في اللحظة التي كان ينتظر فيها مولوده الأول منذ عشر سنوات ثم ثبت أن اقتياده كان بالخطأ لتكون هذه اللحظة الفارقة سبباً في تحطيم أحلامه.

أما في قصة “خطوط في جدار الزمن” لخليفة شاهين إحدى أقدم القصص التي تعود إلى عام 1979م نلاحظ حواراً فلسفياً عميقاً في عوالم نفسية سبقت عصرها في القصة الإماراتية عموماً حيث تمتزج الحقيقة مع الخيال حول ماهية الشخصيات وتكرار مفردة (السيجارة) التي ترمز إلى الاشتعال الداخلي لبطل القصة، بينما تقدّم سارة النواف في قصة “المفاجأة”حول مفارقة اجتماعية مدهشة غير بعيد عن القصص الواقعية في مجتمعاتنا.

وفي قصة “الرحيل” لسعاد العريمي مزيج آخر من التاريخ والرمزية لشخصيات عربية في فترة مفصلية من تاريخ الأمة العربية. فيما في قصة “إلى عبد الله الصغير… وصية” لسعيد الحنكي قصة مجتمعية تسبر أغوار الماضي والبيئة البحرية تحديداً وشخصيات ليست ببعيدة عن بيئات الساحل.

وفي قصة “النشيد” لسلمى مطر سيف قراءة أخرى لحكاية شعبية بأسلوبٍ قصصي فريد عن المرأة الممسوسة أو الملعونة في نظر أفراد المجتمع القديم، وتقدّم شيخة الناخي في قصة “الرحيل” التي تعد من أقدم القصص الإماراتية عام 1970م حكاية عاطفية تعبّر عن مشاعر الأنثى آنذاك، ونلمح ذلك أيضاً بشكل مختلف في قصة “أحلام طفلة” لصالحة غابش في بيئة أخرى ومشاعر متباينة حول طفولة حالمة، بينما تقدّم ظبية خميس في قصة “بعد الخامسة مساء” قصة جريئة بعيدة عن الأجواء السابقة في لندن عاصمة الضباب.

وفي قصة “الطائر الغمري” لعبد الحميد أحمد، حكاية أخرى عن أهل البحر تجمع بين التشويق والواقعية عبر سرد الأمكنة حيث تبدو أنها مستوحاة من قصة حقيقية، بينما في قصة “الزنزانة رقم 2” لعبد الرحمن الصالح التي كتبت عام 1979م هناك أحداث درامية لحكاية تلامس الواقع بدقّة.

و”قضية رجولة” لعبدالرضا السجواني، قصة تبدو أكثر التصاقاً بالواقع حول مشاعر إنسانية متباينة وأليمة. وقصة “الأمية” لعبد الله صقر أحمد التي كتبت عام 1979م ليست ببعيدة عن الواقع وتدور أيضاً في فلك البحر والساحل. وفي قصة “وكان الدفتر … رادي عليه” لعبدالغفار حسين حكاية واقعية تروي حكاية من موسم الغوص ومشّاق الحياة العسيرة.

في قصة “شادي” لعبد العزيز خليل حكاية فلسطينية واقعية تعبّر عن أشجان عصرها. أما علي عبدالعزيز الشرهان فيقدم في قصة “عاشق الجدار القديم” أسطورة الوحش في عمقٍ تراثي واضح. بينما يجنح علي أبو الريش في قصة “الوجه الآخر” إلى الفلسفة الإنسانية والمشاعر المتضاربة.

ومن القصص التي تعود إلى عام 1972م قصة “ضحية الطمع” لعلي عبيد علي سباحة في عالم الخيال رغم صخور الواقع المؤلم. و”الباحثون عن لا شيء” لعلي محمد راشد قصة رمزية الفراغ والشتات الوجداني.

وتقدّم ليلى أحمد في قصة “المسافة” جدلية الموت واليأس والالتياع المزمن، بينما يقدّم ماجد بوشليبي في قصة “عطشى” حكاية إنسانية تعبّر عن القسوة والخنوع والاستسلام.

ويقدّم محمد المري في قصة “يوم في حياة موظف صغير” حكاية واقعية جداً كتبت عام 1974م، و”الاتجاه” لمحمد ماجد السويدي قصة قصيرة جداً في عام 1976م حول رحلة سفر من الماضي إلى المستقبل، بينما عبّرت مريم جمعة فرج في قصة “عبّار” عن مهنة انقرضت تقريباً في عصرنا الحاضر، ومظفر الحاج مظفر في قصة “ذكريات وأماني” يعيش البحّار على ذكرياته البعيدة بين تحسّر وأحلامٍ ضائعة.

ملاحظات:

من خلال رحلتنا السريعة في العالم القصصي لمجموعة (كلنا كلنا كلنا نحب البحر)، أمكننا استنتاج الملاحظات التالية:

  1. احتوى الكتاب على مجموعة دسمة من القصص المشوّقة والمبهرة، تدل على اتساع الأفق القصصي الإماراتي منذ البدايات، بل أن بعض القصص سبقت عصرها وشكّلت خطّاً سردياً ظهر بقوة في المنجز القصصي الإماراتي طوال ربع قرن.
  2. استمرت بعض الأسماء في كتابة القصص وحقّقت حضوراً لافتاً في المشهد الأدبي بينما ابتعدت بعض الأسماء لأسباب مهنية.
  3. تأثّرت بعض القصص بالمدرسة الكلاسيكية التقليدية، وهذا ناتج عن قراءات وابتعاث دراسي إلى الخارج.
  4. لم تلتزم القصص بالزمان والمكان في مجملها وقليلاً ما لاحظنا قصصاً تعبّر عن الهوية المحلية.
  5. يحتاج الكتاب إلى دراسة نقدية معمقة تقوم بمقاربة هذا المنتج المهم مع العصر الراهن.

تراث القصة الإماراتية كتاب (كلّنا كلّنا كلّنا نحب البحر) أنموذجاً – بقلم ناصر البكر الزعابي

أصداء نقدية