«الضباب».. قصص قصيرة من دفتر عبدالله السبب

«الضباب».. قصص قصيرة من دفتر عبدالله السبب

يستعيد الشاعر الإماراتي عبدالله السبب في كتابه «الضباب» جانباً من نصوصه القصصية التي كتبها قبل نحو 35 عاماً، وتعود هذه القصص التي شكلت في حينه مجموعة متكاملة من القصص كان من المفترض أن تنشر في حينه – لولا ضياعها بسبب اللامبالاة من قبل الجهة التي تعهدت بطباعتها آنذاك- تعود إلى عام 1987، والكتاب بحسب ما يكتب السبب: «عبارة عن سجل توثيقي أو وثيقة أدبية تميط اللثام عن حقائق تاريخية في عالم السرد الإماراتي، السرد القصصي تحديداً».

هذه الفترة شهدت بروز عدة مجموعات قصصية لرواد إماراتيين، حيث يهدي عبدالله السبب هذه المجموعة لهم، كما يحرص على التنويه بإصداراتهم متحرياً الترتيب الزمني لهذه الإصدارات على النحو الآتي: (عبدالله صقر المري: «الخشبة» 1975، علي عبد العزيز الشرهان «الشقاء» 1977، محمد ماجد السويدي: «دانة يا بحر» 1979، عبد الرضا السجواني: «ذلك الزمان» 1980، محمد حسن الحربي: «الخروج على وشم القبيلة» 1981، عبدالحميد أحمد: «السباحة في عيني خليج متوحش» 1981، محمد المر: «حب من نوع آخر» 1982، ليلى أحمد: «الخيمة والمهرجان والوطن» 1984، ظبية خميس: «عروق الجير والحنة» 1985، باسمة يونس: «عذاب» 1986، على أبو الريش: «ذات المخالب» 1986، محمد حسن الحربي: «حكايات قبيلة ماتت» 1987، ومحمد المر: «مكان في القلب» 1987.

والقصص الواردة في كتاب «الضباب» سبقت ما نشره عبدالله السبب في العام 2011 تحت عنوان «جنازة حب وأشياء أخرى».

جاء الكتاب حافلاً بالكثير من العناوين: (رحلة بحرية، أحلام منصور، ليلى، الأرض الطيبة، في فرادة الحياة، وقفات، في وريقات الزمن، أمسية أولى، أمسية ثانية، أمسية ثالثة، أمسية رابعة، من الذاكرة القديمة، في ذاكرة الآن، مدخل توثيقي بقلم علي محمد راشد، وغيرها من العناوين).

وفي الكتاب إشارات عدة إلى تجربة السبب وما كتبته الصحافة الثقافية عن إصداراته الشعرية والقصصية ومنها على سبيل المثال ما كتبه الشاعر أنور الخطيب تحت عنوان «بحث حول القصة القصيرة في الإمارات» يرصد تطورها وكتابها ودور المؤسسات الرسمية والصحافية، والبحث عبارة عن شهادة قدمها الخطيب ضمن مشاركة الإمارات في ملتقى «القصة القصيرة في دول مجلس التعاون».

رحلة بحرية

تحت عنوان «رحلة بحرية» التي تصف رحلة لأربعة صيادين من الشباب اتفقوا على القيام برحلة بحرية طلباً للرزق يكتب السبب: «لأن رحلتهم الجديدة ستبدأ بعد نجاحهم في الرحلة السابقة، والتي جنوا من ورائها السمك الوفير، تناول الصيادون الأربعة الغداء، وتوجه الجميع إلى شاطئ البحر، حيث المكان المتفق عليه، بعد أن تجمع الصيادون من الشباب، وركبوا القارب، اتكلوا على الله وانطلق بهم القارب ليشق عباب البحر، استمر القارب في المسير قرابة الساعة ونصف الساعة وهو زمن الوقت الذي يستغرقه الطريق المعتاد عليه، أوقفوا المحرك عند وصولهم إلى الهدف المراد الوصول إليه».. ويتابع السبب: «وما إن جلس خالد في موضعه حتى شعر بالبلل، وبتدفق المياه من تحت رجليه النحيلتين، صاح بهم: الثقب!

قال عمر: ماذا دهاك يا هذا؟ أجاب خالد: لقد أصاب القارب ثقب صغير جداً، انبثق من خلاله الماء، أشار إليهم محمد بالإسراع بالمسير، والوصول إلى أقرب كتلة صخرية من الكتل التي توضع في البحر، والتي من شأنها أن تجعل السمك يتجمع حولها، وهي ما تسمى باللهجة العامية ب«اللحف».

وبالفعل وافق الجميع، ليتجنبوا ما قد يصيبهم من نتائج هذا الثقب، وأسرع أحمد بتشغيل المحرك، الذي انطلق بهم للبحث عن أقرب مكان ليرسو عليه قاربهم، ولكن سرعان ما نفد الوقود واختلط الحابل بالنابل، وتأزم الموقف، إذ إن السماء قد تلبدت فجأة بالغيوم وعصفت الرياح، وعلا موج البحر، مما جعل القارب يغدو وكأنه ريشة في مهب الريح، وذلك أثر في الصيادين فتحطمت معنوياتهم، مما جعل الخوف يدب في نفوسهم».

وفي موضع آخر من القصة نقرأ: «لم يقف الأمر عند هذا الحد، فكل ما سبق كان مقدمة لانقلاب القارب بالصيادين، وسقوطهم في عرض البحر، مصارعين بذلك الأمواج الهائجة بصبر وثبات معتصمين بعقيدتهم، مستعينين بربهم، حيث لجأوا إلى الضراعة لله والابتهال إليه».

تمسك أحمد وعمر بأحد ألواح القارب المحطم، وتمسك خالد ومحمد بلوح آخر، وبدأ الظلام يخيم.

وهنا تجلت عظمة الخالق ورحمته بعباده الصابرين، رحمته التي وسعت كل شيء، إذ إن يد الإنقاذ قد امتدت إليهم، عندما مرت بهم دورية الشرطة التي أخذت تبحث عنهم عند تلقيها للبلاغ من أسر الصيادين الشباب الأربعة، وفي صباح اليوم التالي، صدرت الصحف المحلية متضمنة أحداث قصتهم المأساوية، التي عاشوها في يوم كئيب، تجمعت فيه كل العوامل والمسببات التي ساعدت على اكتمال تلك القصة».

أحلام منصور

وتحت عنوان «أحلام منصور، التي تتضمن نصاً سردياً نثرياً، لا يخلو من التكثيف والمغزى يكتب السبب ما يلي: في وريقات الزمن / يقبل المساء، نفتح النافذة، نطل منها / نسقط أنظارنا على وريقات الزمن / نتأمل فيها / نلتقي عليها بالعديد من مواقف الحياة / المفرحة والمترحة / وهكذا نحن / في زمن الانهيار والجمود / وهكذا أيضاً نمضي أمسياتنا / عبر وريقات اللاموت واللاحياة.

وعلى ذات المنوال يتابع السبب في «خاتمة الأماسي» سرده النثري – القصصي بقوله: بين أمسية وأمسية / هنالك أمسيات وأمسيات / لم نجلس بين أحضانهن بعد / وإذن / هكذا نحن نمضي أمسياتنا / بين اللاموت واللاحياة / نطبع تأملاتنا في وريقات الزمن / مرددين: نعيب زماننا والعيب فينا / وما لزماننا عيب سوانا.