17 ديسمبر 2017
وصلنا إلى فندق بارك تاور نايت بريدج في العاشرة مساءً، وزوجي يذكّرني بأنه سيغادر الفندق في التاسعة صباح الغد لحضور المؤتمر الموفد إليه من قبل عمله، يطلب إليّ ألا أتجول لوحدي في شوارع لندن بعد السابعة مساءً، وأنا أهز رأسي متعبة وأردد:
– إن شاء الله..
أتذكر ذهوله وشحوب وجهه عندما قلت له إنني أود الذهاب معه في هذه الرحلة. حاول أن يثنيني عن السفر لأنه لن يكون بمقدوره أن يرافقني إلى أي مكان، وقد أصاب بالضجر، لكنني أصررت على مرافقته..
18 ديسمبر 2017
اخترت الإقامة في هذا الفندق لقربه من حديقة الهايد بارك، ولوجود عدد من المطاعم العربية القريبة. غريبٌ أمرنا نحن العرب، متمسكون بكل شيء يذكرنا ببلادنا كأننا نفتقد الشعور بالأمان في بلاد الحرية المطلقة. خرجت من الفندق في منتصف الصباح متجهة إلى مطعم على بعد خطوات لأطلب كوباً من الشاي ومناقيش الزعتر والجبنة الساخنة. لاحظت نظرات من حولي من الشباب العرب، فأخذت أتشاغل بهاتفي، وهم بدورهم انصرفوا عني. الهاتف الذكي! صانع المعجزات، يجعلك تبدو مشغولاً، أو مهماً، وبإمكانك الاختباء خلفه، والاختفاء من واقعك فيه..
عند خروجي من المطعم طلبت من أبو أيمن أن يضع لي بقايا فتات خبز في كيس، وتوجهت إلى الحديقة. جلست أراقب الطيور وهي تلعب، وتسبح، وتحلّق.. أغبطها على سعادتها بأجنحتها. لم انتبه إلى الوقت وأنا جالسة أراقب البحيرة مثل فزاعة في وسط الحقول تحاول أن تحمي محصول صاحبها، حتى مرت بي فتاة عربية وسألتني بلطف إن كنت بخير. تفاجأت بأن الوقت أصبح عصراً، وشكرتها متجهة بسرعة إلى الفندق.. جلست حتى الثانية صباحاً أنتظره.. نمت وأنا انتظر، ولم أعلم متى عاد، ومتى خرج..
19 ديسمبر 2017
نهضت متأخرة. جلست أراقب سقف الغرفة. السقف، هو ما كنت أرغب أن يكونه زوجي. شخص يحميني، وأعرف أني معه في أمان من تقلبات الحياة. ولكن، هل كنت أحلم مثل المراهقات حتى بعد كل هذه الأعوام؟
نهضت متثاقلة، وبدأت أرتب ملابسه المرمية على الأرض. يبدو أنه خرج مسرعاً. وبينما كنت أثني الملابس وجدت فاتورة لمطعم في فندق في هاي ويكمب وهي منطقة خارج لندن. لكنه ذكر بأن المؤتمر قريب من هنا! لماذا تناول غداءه في هاي ويكمب؟
صباح إنكليزي بارد. أوقفت سيارة أجرة لأذهب لتناول الإفطار في مطعم تعودنا أن نأكل فيه أنا وأمي وأبي عندما نزور لندن. قلت في نفسي: لو جلست في مكان لدي فيه ذكريات جميلة فقد أشعر بتحسن.. لم أكن قد وصلت بعد عندما وقعت عيناي على محطة ماريلبون للقطارات. طلبت من السائق أن يتوقف، ونزلت مسرعة لأقطع تذكرة لأول رحلة ستنطلق إلى هاي ويكمب. هذه المرة أريد أن أرى بنفسي مغامرته الجديدة. وعلى كل حال فأنا ضجرة هنا، وقد أجد ما يسليني. عند وصولي للمحطة الأخرى أخذت سيارة أجرة للفندق الذي تناول غداءه فيه. جلست أشرب الشاي في البهو حين لمحته معها. طفل في الثالثة تقريباً من عمره يتوسطهما، يمسك بيد زوجي وبيد المرأة الأخرى..
20 ديسمبر 2017
هبطت الطائرة ظهراً. خرجت من المطار مباشرةً إلى محكمة الأسرة. كنت أتمشى بحقائب السفر في المحكمة والناس تنظر إليّ باستغراب. عند عودتي متأخرة ذلك اليوم كان المطر يتساقط برقة، ومع كل نفس أتنشقه كنت أجد رائحة عطرة فيها رملٌ وعشبٌ وشيءٌ من الحياة.