أسماء الزرعوني

الزرعوني تنتصر للمرأة - سرد إماراتي

حول مجموعة الشواطئ الفارغة للكاتبة «أسماء الزرعوني»

همس الشواطئ الفارغة.. عنوان إضمامة قصصية للأديبة الإماراتية أسماء الزرعوني.. والتي احتوت على 25 نصاً قصصياً قصيراً.. صادرة عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات 2010م.

من يقرأ لأسماء يدرك الفرق بين كتابة الرجل وكتابة المرأة.. وإن كنت غير متحمس لمصطلح الكتابة النسوية الذي يروج له البعض.. إذ إن الإبداع الإنساني لا يتجزأ بين ذكوري ونسوي.. ولا فرق بين كتابة المرأة أو الرجل. إلا أن تلك النصوص التي نسجتها كاتبتنا بعناية تفوح بشذى مشاعر الأنثى وعوالمها.

ومن خلال قراءتي هذه أقارب ما لفت انتباهي في تلك النصوص.. ومنها:

– العنوان يفشي سر النص.

– البدايات المشوقة للنصوص.

– الشخصية النسائية.

– المواضيع التي تعالجها أسماء جلها اجتماعية.. صراع بين الذكر والأنثى ضد الظروف.. أو حب مستحيل.. أو نكران للوالدين.. أو تغير العادات والتقاليد بين حياة اليوم والأمس…

– غياب الأسماء.

وبطبيعة الحال فإن كل نقطة من النقاط السابقة تحتاج إلى أكثر من دراسة مستفيضة..

إلا أنني سأمر سريعاً وبشكل مختصر عليها في محاولة لتقريب المعنى وسبر خصائص ذلك النهج التي تتبعه كاتبتنا.. وتلك السمات التي تميز بها أدبها.

فهل شكلت تلك السمات علامات خاصة أو بصمة تميّز الكاتبة دون غيرها؟ الكاتبة نجدها ومن خلال تلك النصوص المحملة بهموم مجتمعها المتحول من طور الحياة بين حياة البحر والصحراء.. إلى طور حياة الاستقرار بتأثير الطفرة البترولية وتأثيرها على الفرد وحياة المجتمع.. وبالذات المرأة وانحياز الكاتبة لقضاياها المتنوعة.. والتركيز على كل ما هو إماراتي حين تبدأ باختيار الفكرة.. إلى معالجة الموضوع إلى تطعيمها بتلك المفردات الدارجة.. مقدمة لنا البيئة المحلية وقد طعمتها بمشاهد أقرب إلى المشاهد السينمائية لتقرب القارئ أكثر من حياة المجتمع الإماراتي.. مستدعية حياة الأمس القريب وحياة اليوم وتأثير ذلك الاختلاف على علاقات الناس في شتى مناحي الحياة. وعودة إلى النقاط التي حددناها في بداية هذه المقاربة.

– وشاية العنوان

هجير الصيف.. عبر الأثير.. حبيساً في وطني.. حينما يجف النبع.. وكان اللقاء.. صحوة ضمير.. ذات مساء.. دمعة في أحضان الليل.. حلم الليل.. الرسالة.. أم السجين.. في مثل هذه الساعة.. الشبيهة.. السؤال الحائر.. في مثل هذه الساعة.. همس الشواطئ.. احتضار كلمة.. الجرثومة.. الشواطئ الفارغة.. أذن وعين.. رحلة ليلة.. حينما يموت الفرح.. بدون اسم.. مريم.. لحظة من عمر الزمن.. دهشة المطارات.

تلك هي عناوين نصوص الإضمامة.. والمتأمل لها سيدرك بعد قراءة تلك النصوص أن الكاتبة قد تعمدت تعريتها وتجريدها من غموض يحيل بين العنوان ونصه.. إن لم تكن كلها فبعضها. وكأنها أرادت اختزال نصوصها في عناوينها.. أو أنها جعلته كاشفاً لمحتواه وفاضحاً لجوهر فكرتها. فمثلاً «أم السجين» وهو من أبرز العناوين التي تصاحب القارئ أثناء قراءة النص حتى نهايته.. إن لم يكن النص ترجمة حرفية للعنوان. وكذلك عنوان «حينما يموت الفرح» تصاحب القارئ خيبة أمل حين يجد أن العنوان يأشر منذ البداية إلى نهاية النص غير المفرحة.. وهكذا يتوقع القارئ وهو يلج في عمق النص حين تتحدث الزوجة عن حبها لزوجها وعن سعادتها معه منذ تزوجا.. كل ذلك الفرح الذي أثثت به الكاتبة بداية نصها لا يبعد توقع ما وشى به العنوان ليتحقق في زواج خالد بأخرى سراً.. وخديعة زوجته التي صورها النص تموت حباً فيه… وهنا يتحول العنوان إلى واشي.. وهكذا معظم العناوين التي جاءت فاضحة لمكنونات النصوص.

– غواية الجملة الأولى

وإذا كانت العناوين كاشفة.. فإن الكاتبة قد استعاضت وبقدرات ملفتة.. عن كشف عناوينها بغموض وتشويق جملها الأولى لنصوصها.. وأبدعت حين قدمت للمتلقي صياغة ممتعة لجملتها الأولى. لتشكل طعماً مغرياً يصعب على القارئ الفكاك من التوغل في النص.. ليجد نفسه مجداً في قراءة تلك الجمل.. جملة بعد أخرى. وقد جاءت جملتها الأولى فعلية في معظم النصوص.. فمثلاً «نظرت من نافذة الحافلة، دهشت للصف الطويل المتعرج أمام إحدى بوابات المطار» هذه الجمل الأولى من نص بعنوان دهشة المطارات.. نجد هنا أن الكاتبة جعلتنا كقراء ننظر بعينيها لمشهد قد يبدو طبيعياً أمام بوابات المطار.. لكننا سريعاً ما نتساءل لماذا ذلك الطابور الطويل؟ باحثين عن أجوبة من خلال ارتشافنا جملة بعد أخرى حتى نهاية النص.. باحثين عن لحظة التنوير أو الإجابة عما أثارته تلك الجمل.. وهكذا بداية نص آخر بعنوان إذن وعين «كان الكبرياء والغرور يمتزجان في شخصيتها المتمردة.. لم تفكر يوماً أنها ستصبح هكذا»، وبداية نص آخر بعنوان مريم «أصبحتُ حرة! قالت وهي تحتضن أمها بحرارة غامرة»، ما يثير في ذهن القارئ على ما يفرح تلك الفتاة وهي تحتضن أمها.. لنقرأ بأنها تحررت بالطلاق من زوج قاسٍ.. لكنها لم تعرف بأنها انتقلت من ظلم الفرد إلى ظلم المجتمع الذي أخذ يعاملها ككائن شاذ بصفتها مطلقة بل وكأن عليها أن توضح للجميع عن كل تحركاتها كونها مطلقة. بداية نص آخر «لفت جسمها النحيل بعباءتها السوداء. وهي تخطو بخطوات بطيئة وتتلفت يميناً وشمالاً صاعدة الدرج الذي لم تتصور أن تصعده يوماً من الأيام»، وهكذا في جل بدايات نصوصها تبرعم الكاتبة للقارئ جملة من الأسئلة لحظة قراءته تلك البدايات. جمل من المقبلات التي تزيد شهيته للإبحار في أعماق النصوص التي يجدها ممتعة وشيقة. كاتبة تجترح ما تريد دون اللجوء لتوطئة أو عتبات مباشرة تساعد القارئ على الولوج في نصوصها.

– شخصيات أسماء

لا شك أن الكاتبة تدعم مقولة الأدب النسوي يختلف عن الأدب الذكوري.. وإن كنا من معارضي ذلك.. إلا أن جل نصوص هذه الإضمامة تتبنى قضايا المرأة.. بل وتجعل منها الشخصية الرئيسية بلا منازع.. فمن 25 نصاً نجد أن المرأة قد استحوذت بشكل رئيسي على 22 قصة كشخصيات محورية. وتلك الشخصيات

مثّلت جوهر السرد في عدة مواضيع تخص الأنثى منها.. ثمانية نصوص تعالج قضية الحب المستحيل في عناوين: عبر الأثير.. حينما يجف النبع.. وكان اللقاء.. حلم الليل.. الرسالة.. السؤال الحائر.. أذن وعين.. رحلة ليلة. تلك الشخصيات الأنثوية تعمقت فيها الكاتبة بشكل مثير في العلاقة مع الرجل، وتلك العواطف المتأججة التي تقف العادات والتقاليد كعائق دون الانتهاء بالزواج.. أو تباين الطبقات الاجتماعية أو الفوارق العمرية والثقافية.. وثلاثة نصوص عالجت الكاتبة الزواج بأجنبية أو أجنبي، وتلك المعاناة والخديعة لمن تنظره حين تفاجأ بأنه عاد مصطحباً زوجته الأجنبية وضياع سنين الانتظار وتبخر تلك العاطفة من قبل الرجال.. وحالات رفض الزوجة العودة وزوجها إلى بلاد العباية والتزمت.. وضياع الأولاد بين الأب والأم.. وضياع الحبيبة التي ظلت تنتظر سنوات من الخيبة وأنانية الرجل.. وأربعة نصوص ظهر الرجل ككائن غريب ومزاجي.. وغير مسؤول عن تصرفاته العاطفية.. وعدم إحساسه بالآخر أو تقدير لتلك العاطفة التي نمت بينهما. في نصوص بعناوين: السؤال الحائر.. والرسالة.. وحلم مستحي.. ونص عبر الأثير. حين تتعلق الأنثى بحب عبر مكالمات هاتفية وتعتقد أنها وجدت الرجل الذي يقدرها والمرفأ الذي ترسو بقلبها عليه.. لتكتشف خديعتها وأن ذلك الشاب لم يكن إلا غاوي كلام يبحث عن التسلية من خلال صرف الكلام المعسول.. وأخرى تتعلق بشخص سنوات من العاطفة المتأججة.. إلا أنها وبعد أن كانت تعتقد أنها قد وجدت فارس أحلامها تجده يطرح عليها أسئلة: من تكونين؟ وتارة يتصرف معها وكأنه لا يعرفها.. حتى يأتي يوم ليفاجئها بعبارته أنسي ما بيننا.. ليقطع صلاتها وتواصله بها. وهكذا نجد أن الرجل في أكثر من نص يتصرف مع من أحبته وعلّقت آمالاً بالشراكة معه ككائن غريب حتى عندما تعاتبه أو تتغلى عليه نجده يتصرف بلا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيه.

وعدة نصوص عالجت الكاتبة معاناة المرأة من فرض المجتمع ما عليها دراسته.. وكذلك الزواج بثانية.. ونصوص تعالج معاناة المرأة العاملة مثل نصوص: حينما يموت الفرح.. احتضار كلمة.. الشبيهة.. أم السجين.. دمعة في أحضان الليل.. حلم الليل.. ذات مساء.

وثلاثة نصوص عالجت الكاتبة نظرة المجتمع للمرأة المطلقة.. وهي: لحظة من عمر الزمن.. ومريم.

– نصوص محملة بالهم الاجتماعي

نصوص محملة بالهم الاجتماعي والصراع المستمر بين قيم الأمس وعاداته وقيم اليوم والتوجه نحو المعاصرة.

هجير الصيف. نص يحلل تأثير التغيرات الاقتصادية على المجتمع، وأدى ذلك التفكك الأسري حين يترك الأبناء أباهم في دار للعجزة بل وينسون أن لهم أباً.. وفي نص حبيساً في وطني.. تعالج الكاتبة إهمال الأبناء لوالدهم الذي كان ذات يوم شخصية اجتماعية لها أثرها الإيجابي في أوساط المجتمع وكانت له الأيادي البيضاء على الجميع.. يتركه أبناؤه بعد أن أمسوا بفضله أسماء ناجحة.. ويكتفون بتوفير الخادمات الأجنبيات اللاتي يسمنه سوء العذاب..

وكذا هي النصوص الأخرى مثل: صحوة ضمير. وفي مثل هذه الساعة. التي تتنوع بين الثأر والبحث عن وظيفة وتعقيدات الروتين وانتشار الفساد والمحسوبية.

– شخصيات دون أسماء

والغريب لدى الكاتبة ذلك التوجه الذي يعنى بالكائن دون الوقوف على تسميته.. فقد نأتي على عدة نصوص نجد أن الكاتبة تقدم الشخصية دون ملامح، فقط أسماء مفردة مثل: عزة.. زكية.. نادية.. مريم.. فاطمة.. شمسة.. هدى.. نورة.. فاطمة.. حمدة.. وهكذا هي أسماء الشخصيات الذكورية تأتي في العموم مفردة دون التركيز على الملامح أو الخصائص.. إلى أن هناك نصوصاً دون ذكر اسم شخصيات النص حتى الرئيسية منها.. في نصوص مثل: ذات مساء.. دمعة في أحضان الليل.. حلم الليل.. الرسالة.. أم السجين.. في مثل هذه الساعة.. السؤال الحائر.. همس الشواطئ.. أذن وعين.. رحلة ليلية.. حينما يموت الفرح.. ونص بعنوان بدون اسم.. وغيرها من النصوص التي تعني الكاتبة بالموضوع ومعالجته بشكل بديع وشيق دون الاهتمام بمسميات شخصياتها أو التعرض لتقريب ملامحها وخصائص الشخصية.

أسماء الزرعوني قدمت نصوصها في قوالب من التشويق والمتعة.. إذ إنها تجيد سرد نصوصها بأسلوب التداعي الذهني للشخصيات والعودة إلى ماضي الأيام.. مع الاتكاء على الحلم.. لتقدم لنا شخصيات رومانسية خاصة الأنثى.. مقابل ذلك الشاب غريب الأطوار.. الذي لا يحفل بمشاعر غيره أو يلزم نفسه بمسؤولية علاقاته العاطفية.

وجل أفكارها تنبع من مجتمع الإمارات مقدمة لنا مشاهد عن الخروج للبحر والعودة بعد غياب أشهر، وتلك العلاقات بين الملا والبحارة.

حول مجموعة الشواطئ الفارغة للكاتبة «أسماء الزرعوني»

كتب – الغربي عمران

الزرعوني تنتصر للمرأة

سرد إماراتي

صنعاء – صحيفة الثورة