سارة النواف

المفاجأة – سارة النواف

في إحدى الحدائق العامة.. وعلى مقعد خشبي.. كانت تجلس نورة وبصحبتها سلمى التي لا تخرج إلا بعد أن تضع الخمار على وجهها تنفيذاً لأوامر زوجها.

يخيل للناظر إليهما لوهلة قصيرة أنهما أتتا إلى الحديقة للترفيه عن نفسيهما، ولكن كانت نورة تنظر إلى ساعتها باستمرار، مما يدل على أنها تنتظر شيئاً يحدث أو شخصاً ما.. همست نورة لنفسها «إنها الساعة السادسة، الوقت نفسه الذي اتصل بي خالد أول مرة، ثم ابتسمت ونظرت إلى الأرض الخضراء.. المنبسطة أمامها كأنها ترى شريطاً سينمائياً..».

«ألو.. من يتكلم؟».

فيرد عليها صوت أجش: «أنا.. أنا أريد أن أتعرف بك»، فأجابته بعصبية بالغة: «لا بد أنك من الشباب العابثين الذين لا همّ لهم سوى مضايقة الفتيات». وضعت سماعة الهاتف وحاولت أن تكمل قراءة الكتاب الذي بيدها.. ولكن يرن الهاتف مرة أخرى.. مدت يدها لترفع السماعة.. ولكنها تراجعت، «لا بد أنه هو.. ما الذي يريده هذا الشاب؟». تخرج من الغرفة وتتجه إلى غرفة أخرى في المنزل، حيث يمكنها القراءة بدون إزعاج..

مرّ أسبوع وهي على هذه الحال.. والشاب لا يمل من الاتصال، وفي كل مرة تضع السماعة حين تسمع صوته.. وشغل أمر هذا الشاب تفكيرها فقررت أن تحادثه.. فقط لكي تعرف ما الذي يرمي إليه من وراء هذه الاتصالات المتكررة، يرن الهاتف.. تتردد موزة في البداية، ولكنها سرعان ما ترفع السماعة.. إنه الصوت نفسه «ما الذي تريده مني؟».

فأجابها الشاب: «قلت لك إنني أريد أن أتعرف بك».

فقالت موزة: «ولماذا تريد أن تتعرف بي .. هل رأيتني من قبل أم أنك تعرف عائلتي؟».

أجابها: «أنا لا أعرفك.. أحسست بالضيق.. فأمسكت الهاتف واتصلت بهذا الرقم صدفة.. وحين سمعت صوتك.. شدني، فصممت أن أتعرف بك، ولذلك كررت الاتصال عدة مرات».

فقالت نورة باستغراب: «تحس بالضيق؟ ولكنك شاب وكل شيء متوفر أمامك من نوادٍ وأماكن لهو ونزهات بالسيارة وغيره.. الحق هو أن الفتاة هي التي تحس بالضيق من الروتين الذي يحيط بها».

انتبه الشاب إلى أنه قد فتح باباً للحوار مع هذه الفتاة فقال لها «وكيف تضيق الفتاة بالروتين كما تقولين؟».

تحمست نورة للرد على سؤال الشاب، ولكن نداء أمها سبب لها ارتباكاً، فقال لها الشاب: «سأتصل بك غداً في نفس الوقت»، فوافقته نورة ووضعت سماعة الهاتف قبل أن تلاحظ أمها، ولكن كان الأوان قد فات.. سألتها أمها عن الشخص الذي كانت تتحدث معه، فأجابتها: إنها صديقة لها تريد من نورة أن تزورها فقالت الأم: «اسألي والدك فإن أذن لك يمكنك الذهاب». فقالت نورة: «والدي.. طبعاً والدي سيرفض ويقول: إن الفتاة مكانها في البيت».

فقالت الأم: «إن والدك على حق».

فأجابتها: «إنك توافقين والدي في كل شيء.. حتى عندما تزوج الثانية.. والثالثة.. ابتسمت وقلت إن والدك على حق.. وأنت أليس لك حق؟»، وأنا أليس لي حق؟ لقد رفض أن أكمل دراستي الجامعية ولم يسمح لي أن أعمل كمدرسة، حتى زيارة صديقتي الوحيدة.. لا يسمح لي بذلك».

فقالت الأم، «وما الذي تريدين فعله؟ أن تعارضي والدك؟». فأجابت نورة: «والدي يريدني سجينة في البيت ثم بعد فترة يزوجني لرجل لا أعرفه لأنتقل من سجن لآخر».

فقالت الأم: «ولكن.. قد يكون زوجك مختلفاً عن والدك.. فيسمح لك بأن تكملي دراستك الجامعية وأن تعملي».

ابتسمت نورة ابتسامة ساخرة، وقالت: «ربما يكون مختلفاً.. وربما يكون مثل والدي.. أو ربما يكون أشد تعقيداً من والدي.. من يعلم؟».

عدة أيام مرت على هذا النقاش الذي دار بين نورة ووالدتها، كانت نورة تحس بالضيق من كل شيء.. لم تكن تعرف ما الذي يمكنها أن تفعله لتسلّي نفسها، رنّ الهاتف.. هرعت نورة إلى الهاتف.. سمعت صوت الشاب نفسه، سعدت في قرارة نفسها.. أخيراً، وجدت وسيلة أتسلّى بها وأرفّه عن نفسي.. ثم لن يحدث شيء فهو مجرد حديث بالهاتف.. ولن تحدث مشكلة.. الأمر بسيط جداً.

أخذت نورة تحادث الشاب.. عرفت أن اسمه خالد، وأنه غير متزوج ولا أخوات لديه.. وكذلك حدثته نورة عن نفسها وعن الضيق الذي تحس به.. وعن والدها الذي يؤمن بأن المرأة للبيت فقط.. تكرر الاتصال، وتوطدت العلاقة بينهما.. كانت نورة تحس بالسعادة تغمرها كلما اتصل الشاب، فهي دائماً بالبيت ولا عمل لها يشغلها.. تعاني الفراغ.. دامت العلاقة بينهما شهوراً عدة قبل أن يطلب منها الشاب رؤيتها قائلاً: «لقد أحببت صوتك.. ولكنني أريد رؤية الفتاة التي جعلني صوتها الناعم أحبها».

ابتسمت نورة لهذا الإطراء فقالت له: «ولكنني أخشى أن يرانا الناس».

فقال لها: «لا تخشي أحداً.. لمَ لا تأتين إلى الحديقة العامة مع صديقتك؟».

فقالت نورة: «نعم صديقتي.. سوف أطلب منها أن تساعدني حتى أستطيع أن أقابلك .. ولكن لا بد أن أنتظر صديقتي حتى تتصل بي.. لأن والدي يضع قفلاً على الهاتف».

اتفقت معه وانتظرت مكالمة صديقتها.. مرّ يومان قبل أن تتصل صديقتها.. وأخبرتها عن اللقاء.. وأخذت الصديقتان تتشاوران.. وفي النهاية اتفقتا على أن يتم اللقاء في الحديقة العامة.. نقلت نورة الخبر إلى خالد بسعادة بالغة، ولكنه قال لها: «أنا لم أرك من قبل فكيف يمكنني أن أميز أي فتاة في الحديقة هي أنت»؟».

فكرت نورة قليلاً ثم قالت: «آه.. تذكرت.. إن صديقتي تلبس الخمار لأن زوجها يريد ذلك.. ولذلك يمكنك تمييزنا».

سمعت ضحكاته في الهاتف ثم قال: «آه.. إذن سوف تأتين مع الفارس الملثم».

ضحكت نورة حين سمعت كلمة الفارس الملثم: «نعم سوف أحضر معها»، فقال خالد: «وأنا سآتي مع صديقي بسيارته البيضاء.. وسوف تميزينها لأن الزجاج أسود».

ودعته وها هي الآن في الحديقة تنتظر قدومه، فقالت صديقتها: «نورة.. ربما يكون كاذباً ولن يأتي».

فأجابتها: «لا بد أن خالداً ليس كاذباً.. فهو يحبني.. قال لي إنه يحبني.. ثم إنه .. انظري ها هو قادم.. ها هي السيارة البيضاء.. هيا انهضي معي فأنا خائفة».

ترددت نورة وظلت جامدة في مكانها قبل أن تتوجه مع صديقتها نحو السيارة البيضاء.. ضحكت في نفسها قائلة: «لا بد أن خالداً ينظر الآن إلى الفارس الملثم».

قبل أن تصلا إلى السيارة فتح الباب ونزل الشاب مبتسماً.. ابتسمت له نورة، ولكن كانت المفاجأة حين صرخت صديقتها سلمى: «عبدالله؟ أنت تفعل هذا؟». قالت هذا ورفعت الخمار عن وجهها.. صعق الشاب حين رأى سلمى.. ألجمته المفاجأة.. لم ينطق بحرف واحد.. نظرت موزة إلى صديقتها قائلة. «من هو عبدالله؟ هل تعرفينه؟ من هو؟».

«يا عزيزتي.. إن عبدالله هو زوجي.. هل فهمت؟ زوجي الذي فرض عليّ الخمار حتى لا يراني أحد.. في حين لا يكتفي هو برؤية الفتيات.. بل يحدد لهن مواعيد ومقابلات.. إنه زوجي الوفي»، قالت هذا ورمت الخمار أرضاً واتجهت بعيداً تاركة زوجها وصديقتها، وقد شلتهما المفاجأة.

14/4/1984م