عبدالله السبب

في البدء كان النشيد

ثلاثية الصمت والصوت والصهيل
– عبدالله محمد السبب

(كلنا، كلنا، كلنا .. نحب البحر…).. هكذا هتفن معاً: (أمينة بو شهاب، سارة النواف، سعاد العريمي، سلمى مطر سيف، شيخة الناخي، صالحة غابش، ظبية خميس، ليلى أحمد، مريم جمعة فرج)، وبقية الركب القصصي الإماراتي: (26 قاصاً وقاصةً)، اعتلوا سطح سفينة السرد الأُولى لـ«اتِّحاد كُتّابِ وأُدباءِ الإمارات»، حيث المجموعة القصصية المشتركة (كلنا، كلنا… كلنا. نحب البحر…)، التي أشرقت شمسها في العام 1986م..

في تلك السفينة السردية الإماراتية.. كان لكل قاصٍ موقعه، وله موقعته القصصية التي تشير إليه وإلى شخصيته الأدبية، فكان يُشرف على إدارة قصته بكامل أدواته الفنية التي يُتْقنها ويُحْسن استخدامها..

وكان ما كان.. ففي تلك السفينة، ثمة تسعة أصوات نسائية أدْلَيْنَ بأنفاسهن القصصية.. مِنْهُنَّ من صرَّح باسمه دون خجل أو خوف من الراهن الاجتماعي آنذاك، ومِنْهُنَّ من توارى خلف اسم مستعارٍ لأسباب شخصية لا يحق لنا تقصّي أثرها للعثور عليها وعرضها على كُرْسيِّ الأسئلة الاستجوابية من باب الفضول الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع، ولا يُحقق شيئاً جَوْهَريّاً ولا يُضيفُ فائدةً نوعية تُذكر..

يقول الدكتور محمد إبراهيم حُوَّر في العدد الأول من مجلة «شؤون أدبية» الصادرة عن اتِّحاد كُتّاب وأدباء الإمارات: شتاء 1986م – 1987م، حيث الـ«مدخل لدراسة القصة القصيرة في الإمارات»: «… وقد حظيت المرأة بالنصيب الأوفر في المعالجة، إذ عالج قضيتها سبع قاصات، وقاصان. وقد اختلفت المعالجة تناولاً وفنّاً. إلاّ أنَّ هناك سمة غلبت على أسلوب القاصات هي: جمال التعبير، والجرأة فيه، إلى حد وصل الأمر ببعضهن أن تَحَدَّثْنَ بما يُتَحَرَّج الحديث فيه».

من تلك الأصوات النسائية التسعة، نَأْتِ على استحضار ثلاث قصص لثلاث قاصات إماراتيات رائدات: («هياج» 1983م: أمينة بو شهاب)، («النشيد» 1983م: سلمى مطر سيف)، («عبّار» 1984م: مريم جمعة فرج)..

نستمع إلى أول البوح من «هياج» أمينة بو شهاب: «بينما كانت في لحظة تأمل غير مباغتة، اكتشفت «آمنة» بانزعاج أن ثروتها الوحيدة هي قامتها الريانة وعيناها الواسعتان وشفتاها المكتنزتان، وأنها لا شيء غير ذلك، هذه الصفات ارتاح إليها «عبد الرحمن موسى»، رَجُلها، الطائل الثروة. وكانت السبب في جلبها ذات يوم من عالم «فريج السَّمّاكين» في شرقي المدينة، ذلك الحي الحاد الرائحة الزاخر بأنواع الحرمات كما بالفرح الجماعي، حيث ارتحلت إلى هذا الحي ذي المساكن المضيئة الشائحة بوجهها نحو البعيد والمتكبِّرة تكبّراً أصمَّ»: ص 9.

ونُنْصِتُ إلى شيء من «النشيد» لسلمى مطر سيف: «ذات ليل اكتمل فيه القمر وصار بدراً.. طرق المجنون على نافذتي بعصاه.. وأخرجني معه إلى بيت المرأة.. ويا لهول ما رأيت، المرأة كانت في أوج جمالها وقوتها، وجهها امتلأ بمزيج من الصلابة والسلام والألم القاسي. عيونها كانت صافية صفاء يفوق بريق نجمة أو صحراء تحت مظلة الليل. وقد أشعلت ناراً في وسط بيتها وهي لا تتوانى أن تزكيها بقطع الحطب.. أف لروعة حركتها. وهي تقترب من النار، أشبه بحركة راقص يزاوج بين الفرح والحزن والكلمات والمعاني وبين الصمت والكلام»: ص 45.

ونردد ما أوردته لنا مريم جمعة فرج من وصية «عبّار»: «الثانية وخمس دقائق فقط «ظهراً» لم تطأ رجل آدمي قطعة الخشب المرتعشة ما بين الشمس والماء وأسقطت الشمس صلباناً صفراً على ظهر البحر، رآها العجوز فتصور «نرجس» مستحيلاً و«العبرة» المرتعشة تابوتاً، ثم نظر إلى كتل الذباب السوداء التي تلحس الأرصفة اللزجة وإلى نعليه اللذين حفرت عليهما أصابع مفلطحة كبيرة وانبعثت منهما رائحة الملح وامتد بصره من أول الرصيف إلى آخره «حيث لا تأكل القطط الجرذان شبعا». تفكر من هنا، تحول «كلكجيا» إلى تاجر وصاحب الكافتيريا إلى قوّاد و«نرجس» إلى عاهرة فوق الأرصفة و«العبّار» إلى مجنون، ضحك: لو مِتُّ كَفِّنِّي أنت وعقني في الخور قال «العبّار» القديم للصبي»: ص 146.

من تلك الرقعة القصصية النسائية الجمعية «كلنا نحب البحر»، انطلقن معاً في العام 1987م نحو القارئ العربي عبر المشترك القصصي الثاني «النشيد»، حيث منشورات «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» و«اللجنة الدائمة لمناصرة المقاومة الوطنية اللبنانية» في دولة الإمارات العربية المتحدة.. والإهداء: «إلى شهداء المقاومة الوطنية اللبنانية، المجهولين والمعلومين. إلى أولئك الذين استشهدوا. وما دخلوا قبوراً».

يقول «أحمد سويد»، عضو الهيئة الإدارية للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي في «تقديمه» للكتاب: «ظاهرتان متميزتان لابد من التوقف أمامهما عندما نتحدث عن الإمارات العربية المتحدة: أوُلى الظاهرتين ذات بُعد نضالي قومي، وهي سرعة التجاوب الشعبي في الإمارات مع حركة المقاومة الوطنية اللبنانية… أمّا الظاهرة الثانية فهي ذات بُعْدٍ ثقافي، وتتمثل بهذه الإطلالة النسائية على القصة القصيرة بزخم يبلغ حد الإدهاش، ويعود الفضل فيه لِباقَةٍ من الفتيات أهّلتهن مواهبهن الواعدة كثيراً للفوز بشرف الريادة لهذا اللون الأدبي، في القُطْر العربي الشقيق»: ص 7.

وتأتي «مقدمة» الكتاب من جانب «اللجنة الدائمة لمناصرة المقاومة الوطنية اللبنانية» في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتُلقي الضَّوْء على الكتاب «النشيد»: «مجموعة قصص قصيرة لثلاث من كاتبات القصة المتميزات في دولة الإمارات، اللجنة الدائمة في دولة الإمارات، تقدمهن اللجنة الدائمة في هذا الإصدار عبر نماذج من إنتاجهن القصصي لتؤكد – اللجنة الدائمة – من خلالها أن الكلمة المبدعة في كل مجالاتها والتي تحرك سكون السطح كالحجر الذي يهز المياه الراكدة، إنما تلتقي مع الفعل المبدع في كل مجالاته، فكيف إذا كان هذا الفعل هو البندقية المقاومة في زمن الاستسلام الرخيص»؟: ص 9.

على ضوء ما تَقَدَمَّ، نقترب من المحتوى القصصي على النحو الإنشادي المتتالي التالي:

  1. المجموعة الأولى: «ظهيرة حامية، مهرة، هياج»، لـ«أمينة عبدالله».
  2. المجموعة الثانية: «ساعة وأعود، كلنا نحب البحر، النشيد»، لـ«سلمى مطر سيف».
  3. المجموعة الثالثة: «ثقوب، الريح، صالح المبارك، عبّار»، لـ«مريم جمعة فرج» التي تقول: «هذه قصتي استوت على شواظ من نار الثمانينات، عنوانها النشيد».

من هنا، يتضح لنا أن المشاركة القصصية النسائية الإماراتية في تلك المناسبة القومية الوطنية عبر «النشيد» القصصي رَمَتْ إلى هدفين: أولاً مناصرة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد العدو الصهيوني المُضطهد لحريات الشعوب المسالمة المتسامحة مع نفسها ومع الآخرين والآمنة في سِرْبِها في الزمان والمكان.. سواء من حيث الدعم المعنوي من حيث الصوت الشعبي العربي الإماراتي المُساند للشعب العربي اللبناني في أزمته في كل أزمنته، أم من حيث الدعم المادي ممثلاً بريع الكتاب الذي سيؤول لصالح المقاومة.. وثانياً إطلاع القارئ العربي على المشهد القصصي العربي الإماراتي بما يحمله من معانٍ وقيم مجتمعية وما ينقله من صور واضحة للحياة الاجتماعية في دولة الإمارات عبر حكايات تُحاكي الواقع وتصف حاله بدقة عبر لغة سردية لا تقل نُضْجاً عن مثيلاتها في الوطن العربي.

إذن.. هكذا كانت الرحلة القصصية الإماراتية الأولى في المحيط الداخلي عبر المشترك القصصي «كلنا نحب البحر»، وهكذا حلّق الصوت السردي النسائي الإماراتي في فضاء المشهد الأدبي العربي من خلال سفيرات الإبداع السردي عبر «النشيد» القصصي، وهكذا نتذاكر معاً الإصدارات القصصية الجمعية الأخرى التي تضمنت قصصاً للرائدات الثلاث:

  1. «نشيد الساحل.. صفير البحر»: إصدار «اتحاد كتاب وأدباء الإمارات»، الشارقة 2001م: «عشبة» سلمى مطر سيف، «فيروز» مريم جمعة فرج.
  2. «عطش البحر وجمرة الصحراء»: إصدار «اتحاد كتاب وأدباء الإمارات»، الشارقة 2007م: «هياج» أمينة بو شهاب، «النشيد» و«عشبة» سلمى مطر سيف، «أعداء في بيت واحد» و«غابرييلا: صرمة وطلع» مريم جمعة فرج.
  3. «مبدعون من الإمارات»: إصدار «وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع»، أبوظبي2009م: «هياج» أمينة بو شهاب، «الثعبان» و«اليقظة الأخيرة» سلمى مطر سيف، «أعداء في بيت واحد» و«العبّار» مريم جمعة فرج.

 وهكذا، نتهجى ما آلت إليه تجربة كل قاصة على حدة:

أولاً/ أمينة عبدالله بو شهاب: لاذت بالصمت القصصي من حيث الإصدار الفردي، حيث اكتفت بما نُشر لها في «كلنا نحب البحر» و«النشيد» القصصيين، حيث 1986م و1987م، مع ما تم نشره في مجلات وصحف وكتب محلية وعربية في أزمنة مختلفة.. نذكرها جميعاً، بما أمكننا معرفته بحسب المصادر المتاحة لنا، إذ بلغت ست قصص على نحو تواريخ النشر التالية:

  1. «السفر إلى الجنة»: العدد 56، مجلة «الأزمنة العربية»، دار ابن ماجد للطباعة والنشر – الشارقة: 2 أبريل 1980م.
  2. «مهرة»: العدد 81، مجلة «الأزمنة العربية»، دار ابن ماجد للطباعة والنشر – الشارقة: 24 سبتمبر 1980م.
  3. «هياج»: العدد 22، مجلة «زهرة الخليج»، مؤسسة الاتحاد للطباعة والنشر – أبوظبي: 13 سبتمبر 1986م.
  4. «الحفلة»: العدد الثاني، مجلة «شؤون أدبية»: اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الشارقة صيف 1987م.
  5. «ظهيرة حامية، مهرة + هياج»: الكتاب القصصي المشترك «النشيد»: المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، 1987م.

ثانياً/ سلمى مطر سيف: «مريم عبدالله بو شهاب».. نشرت جُملة من القصص على النحو الزمكاني التالي:

  1. مجلة «زهرة الخليج»، مؤسسة الاتحاد للطباعة والنشر – أبوظبي: «النشيد»، العدد 311، 20 سبتمبر 1986م.
  2. مجلة «شؤون أدبية»، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الشارقة: «غياب»، العدد 5، ربيع 1988م. «الحصان الخشبي»، العدد 13، صيف 1990م. «الثعبان»، العدد 17، صيف 1991م. «ما وراء النهر»، العدد 33، 1996م.

هكذا كانت قصصها المنشورة في أزمنة وأمكنة متفرقة، وهكذا أصدرت مجموعتيها القصصيتين:

  1. «عشبة»: الطبعة الأولى، 1988م، دار الكلمة للنشر، بيروت، لبنان.. الطبعة الثانية، 2014م، دار ورق للنشر والتوزيع، دبي… وقد تضمنت 11 قصة: {الزهرة، «بحران» – نشوان، ساعة وأعود، النشيد، عشبة، هيام، العرس، تلعثم، قيس هوى، غياب، جنهنار}..
  2. «هاجر»: الطبعة العربية، 1991م، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الشارقة.. الطبعة الإنجليزية، 2012م، وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، المترجم «أمل الحايك»… وتضمنت 7 قصص: {الثعبان، الصندوق الأسود، اليقظة الأخيرة، حميات: (اليراعة، وحشة الميراث، عقد الياسمين، اللوحة)}..

مع ملاحظة ما يلي:

  1. فوز قصة «الحصان الخشبي» بالجائزة الأولى، الدورة الأولى، «جائزة غانم غباش للقصة القصيرة»، 1990م: «اتحاد كتاب وأدباء الإمارات» و«النادي الأهلي _ دبي».. وهي ذاتها قصة «الصندوق الأسود»، ضمن مجموعة «هاجر».
  2. حازت القاصة على امتيازين قصصيين: الأول تمثل في تسمية الكتاب القصصي المشترك «كلنا، كلنا… كلنا. نحب البحر» بقصتها «كلنا نحب البحر» المنشورة باسمها في الكتاب القصصي المشترك «النشيد»، وهي ذاتها التي أسمتها فيما بعد («بحران» – نشوان) ضمن المجموعة القصصية الأولى «عشبة». والامتياز الثاني تَمَثَّلَ في تسمية الكتاب القصصي المشترك «النشيد» بقصتها «النشيد» المنشورة في الكتاب نفسه.

ثالثاً/ مريم جمعة فرج: (1956م – 2019م).. تقول: «أجد نفسي قريبة من الموضوعات الاجتماعية والمشكلات والنتائج كل هذه تتحول عندي إلى أحداث تنبثق عنها القصص».. هكذا تُحدثنا «مريم» عن مناخاتها القصصية، وهكذا تنتشر قصصها على النحو التالي:

  1. «المطوعة»: العدد 104، مجلة «الأزمنة العربية»، دار ابن ماجد للطباعة والنشر – الشارقة: 17 مارس 1981م.
  2. مجلة «شؤون أدبية»، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الشارقة: «بدرية»، العدد 2، صيف 1987م. «فيروز»، العدد 4، شتاء 1987م. «أحمد»، العدد 23، شتاء 1992م «عدد خاص عن الأدب في الإمارات».

فيما جاءت إصداراتها على النحو الإسمي والتاريخي والجغرافي التالي:

  1. «فيروز»: الطبعة الأولى 1988م، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الشارقة.. متضمنة 16 قصة قصيرة: {فيروز، عبّار، درويش، جفول، بدرية، شنق، ضوء، ثقوب، صالح المبارك، شعور، من الزوايا المتواضعة، مسافة، القمقم، وجوه، أشياء صغيرة، الريح}..
  2. «ماء»: الطبعة الأولى 1994م، إصدار خاص، تنفيذ وتوزيع شركة دار الجديد، بيروت، لبنان.. محتوية على 7 قصص قصيرة: {أعداء في بيت واحد، ماء، غابرييلّا: صرمة وطلع، ظهيرة، أحمد، الغافة، أشياء صغير}..
  3. «ماء»: الإصدار القصصي الجمعي (فيروز 16 + ماء 7): الطبعة الثانية، دار ورق للنشر والتوزيع، دبي.. مع ملاحظة ما يلي: تشتمل «فيروز» على قصة تسمى «أشياء صغيرة»، وتشتمل «ماء» على قصة تسمى أيضاً «أشياء صغيرة».. إلا أن «ماء» الجديدة سقطت عنها قصة «الأشياء الصغيرة الفيروزية»؟!
  4. وفي العام 2013م، تميط اللثام عن «امرأة استثنائية: تجارب من الإبداع النسائي العالمي»، ضمن إصدارات دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة.. حيث أقدمت «مريم جمعة فرج» على ترجمة 40 تجربة إبداعية نسائية عالمية، كانت قد نشرتها تباعاً ضمن إصداري مؤسسة «البيان» للصحافة والنشر: «بيان الكتب» و«بيان الثقافة».. وفي شخصيات ذلك الإصدار تقول «مريم»، رحمها الله: «هؤلاء هم أيضاً أصدقائي الذين لم أتقابل معهم»: 18 مارس 2017م.

عبدالله محمد السبب

A_assabab@hotmail.com