علي العبدان

قراءة موجَزة في قصة (كيسُ البقّـال) لعائشة الكعبي – علي العَبـدان

عائشة الكعبي قاصّة وفنانة تشكيلية ومترجمة من الإمارات، حصلت على المركز الأول في جائزة المرأة الإماراتية للآداب والفنون في مجال القصة القصيرة عام 2011، وهي عضوٌ في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات. لها مجموعتان قصصيّتان، هما (غرفة القياس) الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عام 2005، و(لا عزاءَ لقطط البيوت) الصادرة عن دار أزمِنة في عمّان بالأردن عام 2011، ومن المجموعة القصصية الأولى اخترتُ قصة (كيس البقال) لتقديم قراءةٍ موجَزةٍ عنها.

القاصة عائشة الكعبي

 

ملخص القصة أن موظفاً عادياً في يوم عادي في العمل، يراقب بقّالاً اسمه (بشير)، وهو يدخل مكاتب بعض الموظفين بكيس يحمل فيه الأغراض اليومية التي يطلبونها، وهي أغراض تتعلق ببعض أحوالهم الصحية، أو النفسية، أو الاجتماعية، وربما تتعلقُ بها جميعاً، وقد استعملت القاصة أسلوب (الراوي الشاهد) الذي يعتمد تقنية السرد باستعمال ضمير المتكلم، وهذا يعني أن القارئَ سيتلقّى الحدثَ من زاويةِ نظر الراوي، الذي هو الموظف الذي يراقب البقّال بشيراً، وهو يتعاملُ مع الموظفين، الأمر الذي يُقرِّبُ سياقَ القصةِ من المناخ الواقعيّ على نحوٍ ما.

كان في كيس البقال أغراض مختلفة يطلبها الموظفون في القصة – ومعهم الراوي – يومياً، وهي تمس أو تلبي حاجاتٍ عميقةً في نفوسهم، فكيسُ البقال إذن تتجمع فيه تلك النفوس بأحوالها المضطربة، وهو كيس شفاف، يرى منه الراوي أولئك الموظفين كما يرى نفسه، وهذا يذكرني بشيء في علم تعبير الرؤى في الثقافة الإسلامية، حيث يرمز الكيس أحياناً إلى النفس، ويرمز ما يكون فيه إلى ما يكون في النفس من خير، أو شر، أو همّ، أو سعادة..إلخ، وإذا كان شفافاً فإنه يشِفُ عما فيه للرائي، والعكس صحيح، وقد لا تكون القاصة قد قصدت الاستفادة من هذا العلم الموروث، لكنها مصادفة تناسبُ عمومَ القرّاء الذين ينتمون إلى ذلك الموروث الثقافيّ.

في القصة يرى الراوي البقّالَ يدخل إلى المكاتب، فيروي ذلك كما يراه، ثم يروي مرور البقّال على الموظفين، مستعيناً – أعني الراوي – بمجموع خياله وذاكرته في هذا السياق الذي يجري بأحداثِهِ يومياً، فهو يعرفُ جيداً كل من يطلبُ الأغراضَ من البقّال، ويعرفُ ماذا يطلبون من أغراض، ولماذا يطلبونها أيضاً، فهو هنا يُقدِّمُ شهادةً غيبيّة لها أصلٌ من الواقع النَمطيّ، وذلك من الفقرة الثالثة في القصة، إلى أن يرى الراوي البقالَ مرة أخرى حين يعود من مكاتب الموظفين، وذلك كله بصياغةٍ تُبقي القارئَ في اليوميّ، والاعتياديّ، الذي يستدعي التأملات مع جَرَيان السرد، ولم تبالغ القاصة في استعمال اللغة الشعرية صِبغةً لهذا النص كما يفعل الكثير من الكُتّاب المبتدئين خاصةً، الذين يُزوِّدون باللغة الشعرية كتاباتهم حين تفتقرُ إلى متانة السرد والمنطق السياقيّ، فضلاً عن الحَدَثِ الذي يستفز القارئَ للمتابعة، على أن الأمرَ في هذه القصة لم يخلُ من شيءٍ من الإسنادِ المَجازيّ العميق، كما جاء في وصف البقال بأنه: “لا يرفع رأسه أبداً، فيُخيل إليّ أنه يتكئ على ذاكرة نعليه البالييْن”.

قصة (كيس البقال) لا تعتمد الشكل التقليديّ للقصة القصيرة، فليس من حدثٍ مُخِلّ تبدأ معه عقدة في القصة، ولذلك لم أجد فيها عقدة، ولا ذروة أحداث، ولا حتى بطلاً رئيساً فيما يظهر لي، بل إن شخصيات القصة تتساوى في البطولة، فهي قصةٌ قريبةٌ جداً من الواقع، ومن هنا أراها قصةً عميقةً جداً، ولا أقصد بقولي “إنها قصة قريبة جداً من الواقع” الحكمَ عليها بأنها واقعية الأسلوب أو الاتجاه، بمعنى أسلوب المدرسة الواقعية، بل قصدتُ أنها بقيت قريبة من اليوميّ، ومن الوجود المعاصر، ولم تشط بعيداً كما تشط القصص الأخرى التي تتشبه حُبكتها بحُبكة حكاية (سندريلا) ونحوها من السرود التي تعتمد التعقيد والوصول إلى ذروة، ثم مجيء الحل أو لحظة التنوير، وإذن فالقاصة عائشة الكعبي تقترب في كتابتها هذه القصة من مذهب الأديب الأمريكي كورت فونّيغت (Kurt Vonnegut) في شكل القصة، وما ينبغي أن تكون عليه طبيعة السرد من الاكتفاء بتوتير السطح، بدلاً من المبالغة في صياغة العقد والذروات والحلول، بما يُعطينا “مورفولوجيا” تقليدية لشكل القصة، تُحيلُنا إلى الاعتقاد بأننا “نعرفُ ما الأمر الجيّد، وما الأمر السيّيء” على حد وصف فونّيغت، وأختِمُ هذه القراءة بدعوتي القارئَ المعاصرَ إلى تفضيل التفكر في العمل الأدبيّ على مُجرّدِ الرغبةِ في الدهشة، أو إلى أن يُساويَ بين الأمرَيْن على الأقل.